تدخل الباب العالي في حقوق الكنائس الشرقية، بأن يبعث بجيوشه إلى إمارات الدانوب، لا لكي تشهر حربا، ولكن لكي تحصل على ضمانة لإعادة هذه الحقوق السليبة) وبعد أسبوع عبرت الجيوش الروسية نهر البروات. وبدأت (حرب القرم) التي وقفت فيها إنكلترا وفرنسا إلى جانب تركيا، واستمرت الحروب حتى ٢٨ تشرين الثاني - نوفمبر - ١٨٥٥.
كانت نتائج حرب القرم كثيرة، لعل من أبرزها إفادة الدول الغربية من هذه الفرصة أيضا للمزيد من التدخل في شؤون الدولة الإسلامية. ففرضت على السلطان إصدار (منشور إصلاحي) عرف باسم (خط همايون) وذلك في شهر شباط (فبراير) ١٨٥٦ وأكد السلطان فيه الحقوق التي سبق له أن منحها لرعايا الدولة في الخط الشريف المعروف باسم (كلخانة). وبموجب هذه الوثيقة، لم تبق المسائل المدنية الخاصة بالرعايا النصارى منوطة برجال الدين دون غيرهم، شأنها من قبل، بل عهد في إدارتها إلى مجلس مختلط من المدنيين والأكليركيين ينتخبه الشعب بنفسه. وأزيلت نعوت (التحقير) التي كانت تتردد حتى ذلك الحين على لسان الخطباء في يوم الجمعة ضد النصارى والكفار. ليس هذا فحسب، بل لم يعد بالإمكان إكراه المسلمين الذين يعتنقون النصرانية على الارتداد، كما كان عليه الموقف من قبل. وفتحت أبواب الإنتساب إلى معاهد التعليم الرسمية (الخاضعة لتوجيه المبشرين). وبالتالي إلى وظائف الدولة المدنية، في وجه النصارى، وفرضت عليهم الخدمة العسكرية أيضا. وكانت من قبل امتيازا خاصا بالمسلمين باعتبار الجهاد في سبيل الله فرضا من فروض الإسلام، ولكن النصارى منحوا حرية دفع البدل العسكري. ووعدوا بأن يمثلوا ثمثيلا أكثر فاعلية من قبل في