ثلاث سنوات، وخاصة عام ١٨٦٧ الذي قلت فيه حتى مياه الشرب، وجفت الينابيع في الصيف، واشتد البرد في الشتاء، فيبست الحشائش، وماتت المواشي، خاصة في الهضاب العليا. وتفشت من جراء ذلك المجاعة في البلاد، حتى أصبح الناس يؤرخون بها ويقولون حدث ذلك (عام الشر).
أخذ سكان الهضاب العليا يهاجرون أفواجا وجماعات إلى أقليم التل بحثا عن الطعام. وكان سكان التل الذين توجه إليهم هؤلاء المنكوبون يعيشون في ضيق شديد. وأقدم بعض الأهالي على ارتكاب جرائم القتل والسرقات، حتى يلقى عليهم القبض فيضمنوا لقمة العيش داخل السجون. وعندما كثر ازدحامهم في الطرقات والساحات العامة بمدن الشمال وقراه بحثا عما يسد الرمق، تصايح الأوروبيون، وطلبوا إلى السلطات الحاكمة أن تطردهم. بدعوى أنهم كانوا يهددون - الأمن والصحة العامة. واستجابت هذه السلطات للأوروبيين، فأعطت أوامرها لضباط الجيش من أجل إقامة المعسكرات - لحشد المواطنين الجزائريين المنكوبين في مليانة والأصنام وغيليزان، وبالفعل، تم فيها حشد حوالي خمسمائة وأربعين ألف مواطن. وقضت هذه المجاعة على أكثر من ثلاثمائة ألف جزائري - في حين قدر بعضهم عدد الضحايا بضعف هذا الرقم. ففي ولاية (عمالة) قسنطينة مات مائة وستون ألف شخص، وفي مدينة الجزائر بلغ عدد الموتى مائة ألف شخص. وتجاوز عدد الموتى في عمالة وهران مائة ألف شحص. وتناقص عدد مواطني القطر الجزائري خلال عشر سنوات، نتيجة التناقص المستمر في معدل الولادات منذ الاحتلال من جهة، وبسبب الكوارث الطبيعية من جهة ثانية، بأكثر من أربعمائة ألف شخص حتى سنة ١٨٧١. وبينما كان الأهالي يتناقصون على هذا