٥ - وقد جاءت الكاف مطابقة للجمع في القرآن الكريم إذا كان السياق يقتضي الإطالة والتوسع في الكلام وذلك نحو قوله تعالى:{وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبًا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}[الأنعام: ٩٩]، بخلاف قوله تعالى:{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[النحل: ١٢]، فجاء بالخطاب في الآية الأولى على صورة الجمع، لأن الموقف موقف إطالة وتوسع في الكلام بخلاف آية النحل.
ونحوه قوله تعالى:{انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسك في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}[التوبة: ٤١]، بخلاف قوله تعالى:{يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[النساء: ٥٩].
فجمع في آية التوبة وأفرد في آية النساء ويوضح السياقان الفرق بينهما، فإن الكلام في سورة التوبة على الجهاد وهو يبدأ بقوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثقالتم إلى الأرض .. ٣٨ .. ٣٩ .. إلى الآية ٤٩} بخلاف آية النساء فالمقام مقام إطالة وتوسع في التوبة فجاء بـ (ذلكم) فيها بخلاف آية النساء.
وهناك سبب آخر لأفراد الخطاب في آية النساء، وهو أنه التفت إلى خطاب المفرد بعد هذه الآية فقال:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم أمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}[النساء: ٦٠]، بخلاف آية التوبة فإن الكلام فيها كله إلى المخاطبين ولم يلتفت إلى المخاطب المفرد.
٦ - وقد استعمل القرآن الكريم مطابقة الجمع للزيادة في التوكيد، فإنه إذا كان موقفان وكان أحدهما أكد من الآخر جاء في الموطن المؤكد بمطابقة الجمع دون الآخر، وذلك نحو قوله تعالى:{ذلكم توعظون به}[المجادلة: ٣]، وقوله: {ذلك يوعظ به من كان منكم