يؤمن بالله واليوم الآخر} [البقرة: ٢٣٢]، فجاء في الآية الأولى بالجمع، وفي آية البقرة بالأفراد مع أن الخطاب للجميع في الآيتين وسبب ذلك - والله أعلم - أن الوعظ في آية المجادلة أشد وآكد، وهو في حكم الظهار وسبب نزول هذه الآيات حادثة الظهار التي وقعت لخولة بنت ثعلبة قال تعالى:{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللآئي ولدنهن وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظهارون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكفرين عذاب أليم}[المجادلة: ١ - ٤]، وآية البقرة في الطلاق قال تعالى:{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منك يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكي لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون}[البقرة: ٢٣٢].
وإذا قرات السياقين رأيت أن التشديد كبير في سياق الظهار من مثل قوله:{وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} والطلب من قائله تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، بخلاف الطلاق، ولذا أكد الواعظ فيه وشدد على منعه، فقال في الظهار {ذلكم توعظون به} وقال في الطلاق {ذلك يوعظ به}.
ومن ذلك قوله تعالى {ذلكم أزكي لكم وأطهر}، [البقرة: ٢٣٢]، وقوله:{ذلكم خير لكم وأطهر}[المجادلة: ١٢]، فجمع في آية البقرة وأفرد في سورة المجادلة وذلك لأن مقام التزكية في سورة البقرة آكد وأشد ويوضح ذلك السياقان.
فإن الكلام في البقرة على ضمان حقوق المرأة وكبح جماح الرجل في العدوان عليها وهضم حقوقها، وهي أمور قلبية ويظهر ذلك في قوله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله}[البقرة: ٢٨٨]، وقوله:{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}[البقرة: ٢٩٩]، وقوله: {ولا تمسكوهن ضرارا