للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حذف التنوين في نحو ما ذكر فللفرق بين الوصف وغيره، فإنك إذا قلت (محمد ابن سعيد) بتنوين (محمد) كنت أخبرت عن (محمد) بأنه ابن سعيد، وذلك إذا كان المخاطب يجعل اباه، بخلاف ما إذا قلت (محمد بن سعيد) بغير تنوين فإن السامع يعلم أنه ابن سعيد، فالأولى جملة تامة بخلاف الثانية، فإنها ليس جملة، يقال: ابن من سعيد؟ فنقول (سعيد ابن إبراهيم) بتنوين (سعيد) ولا تقول (سعيدُ بن إبراهيم) بحذف التنوين لأن حذف التنوين معناه أن السامع يعلم أنه ابن إبراهيم، ولا يكون الكلام تاما أيضا.

قال تعالى: {وقالت اليهودُ عزيرٌ ابن الله} [التوبة: ٣٠]، بتنوين عزير فليس المعنى أن عزيرا نكرة، ولا هو غير معين تمام التعيين، بل أراد أن يخبر عن أبيه في معتقدهم بخلاف ما لو قال (عزيرُ بن الله) بلا تنوين، أذن لكان إقرارا من الله بأنه ابنه تعالى الله عن ذلك، ويكون الكلام غير تام ايضا، بل ينتظر الخبر، فإن قولك (محمدٌ ابن سعيد) مبتدأ وخبر وأما (محمدُ بن سعيد) بلا تنوين، فمحمد مبتدأ (وابن) صفة، وليس في الجملة خبر فيكون الكلام غير تام.

هذا من ناحية ومن ناحية ثانية إن قسما من الباحثين المحدثين رجحوا أن التنوين ربما كان في الأصل علامة للتعريف - على عكس ما ذهب إليه - وبقيت هذه العلامة في قسم من الإعلام تشير إلى أصلها القديم، جاء في (التطور النحوي): وحقيقة الأمر أن التنوين وإن كان علامة على التنكير في كل ما بقي من مستندات اللغة العربية، فربما كان في الأصل علامة للتعريف، فقد ذكرنا أن أصل التنوين هو التمييم، وأنا نرى للتمييم آثارا من معنى التعريف في الأكدية العتيقة .. أنه من الممكن أن يكون التنوين قد كان في الأصل أداة للتعريف، ثم ضعف معناه المعرف فقام مقامه الألف واللام، فصار علامة للتنكير، فإذا كان الأمر كذلك فهمنا سبب وجود التنوين في كثير من الإعلام القديمة نحو عمرو وزيد، ونفهم أيضا سبب انعدامه في بعضها، نحو عمر وطلحة، وهند فإن العلم معرف في نفسه لا يحتاج إلى علامة للتعريف، وإن أمكن أن تلحق به .. ولو كان التنوين علامة للتنكير في الأصل لكان الحاقه ببعض الأعلام صعب الفهم جدًا (١).


(١) التطور النحوي ٧٧ - ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>