هو الفتى يحمد الجيران مشهده ... عند الشتاء وقد هموا باخماد
وكل هذه الأفعال تفيد المضي.
ومن دلالته على المضي في غير ما مر، نحو قوله تعالى:{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}[النساء: ٩٧]، فهم لم يهاجروا، وقوله:{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلوب بها}[الحج: ٤٦]، فهم لم يعقلوا بقلوبهم، فزمن (تهاجروا) و (تكون لهم قلوب) وهو الماضي غير أنه لا يصح إبدال الفعل الماضي بهذين الفعلين، لأن المعنى سيتغير ذلك أن المعنى في المضارع ههنا عدم الحصول، والمعنى في الماضي يفيد الحصول، فإنه لو قال (الم تكن أرض الله واسعة فهاجرتم) لكان معنى ذلك أن الهجرة حصلت، وكذلك لو قال (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب)[الحج: ٤٦]، لكان المعنى أنهم ساروا وكانت لهم قلوب يعقلون بها.
ونظير ذلك قوله تعالى:{أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين}[الجاثية: ٣١]، فإنه أثبت لهم الاستكبار، وكذلك قوله تعالى:{ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون}[المؤمنون: ١٠٥]، / فقد أثبت لهم التكذيب، ونحوه قوله تعالى:{ألم نربك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين}[الشعراء: ١٨]، فقد أثبت التربية واللبث فيهم.
لو عطف بالفعل المضارع، لكان أيضا تقريرا معناه الأثبات، وذلك نحو قوله تعالى:{ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}[النساء: ١٤١]، فالاستحواذ والمنع كلاهما حاصلان، وقوله {ألم نهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين}[الأعراف: ٢٢]، فالنهي والقول حاصلان. وقوله:{أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}، [الروم: ٩]، فهم ساروا ونظروا عاقبة الذين من قبلهم، ونحوه أن تقول (أل تشمتمني فتضربني) بالعطف فإن الضرب والشتيمة حاصلان، وعلى ذلك يكون معنى قولك (ألم يعنك فتعينه) بالنصب أن الإعانة بعد الفاء لم تحصل، فإن أحدهما أعان والآخر لم يعن، وإن معنى قولك (ألم يعنك فأعنته) أن الإعانة حصلت