للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا قلت (ما أعلم إلا أن تخبره) بالرفع كان المعنى أنا أعلم أنك تخبره، فبالنصب يكون المعنى أنك ترى ضرورة أخباره، وبالرفع يكون المعنى أنك تعلم أنه يخبره أي هو قائم بإخباره فعلا، فبالنصب هو لم يخبره، وبالرفع هو يخبره.

قال سيبويه: " وتقول: ما علمت إلا أن تقوم وما أعلم إلا أن تأتيه إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئا كائنا البتة، ولكنك تكلمت به على وجه الإشارة كما تقول: أرى من الرأي أن تقوم، فأنت لا تخبر أن قياما ثبت كائنا، أو يكون فيما يستقبل البتة، فكأنه قال: لو قمتم. فلو أراد غير هذا المعنى لقال: ما علمت إلا أن سيقومون (١).

غير أن الذي يبدو لي أنها تصرف زمن الفعل المضارع إلى الاستقبال غالبا، كما سبق أن قلت في موطن سابق، وقد تأتي لغير الاستقبال، وذلك نحو قوله تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} [البروج: ٨]، فإنهم مؤمنون في الحال، ولا يراد به الاستقبال: ونحو قوله: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: ٢٨]، وهو بقولها مستديما لها. ونحو قوله: {يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم} [الممتحنة: ١]، وقوله: {تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: ٩٢]، وهم لا يجدون في الحال، وقد يجدون في المستقبل، وغير ذلك من الآيات الكثيرة.

وقد ذهب قسم من النحاة إلى أنها قد تأتي للتعليل، نحو قوله تعالى:

{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله: {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: ١٧٦]، وقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: ١٥].

جاء في (المقتضب): " والحذف مع (أن) وصلتها مستعمل في الكلام لما ذكرت لك من أنها علة لوقوع الشيء" (٢).


(١) كتاب سيبويه ١/ ٤٨٢، وانظر الجمل للزجاجي ٢٠٦
(٢) المقتضب ٣/ ٢١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>