والحق أنها تأتي للتعليل، وذلك لأن ذكرها يؤدي في التعليل معنى لا يؤديه حذفها واستبدال غيرها بها أحيانا، وأنه قد يضعف أحيانا تخرجها على الطرائق المشهورة، وذلك نحو، قوله تعالى:{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}[البقرة: ٢٨٢]، ونحو قولهم:(أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه بها).
فإنه لا يصح تقدير (كراهة أن تصل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، وذلك لأن (تذكر) معطوف على (أن تضل) فيكون المعنى على هذا كراهة التذكير أيضا، لأن المعنى (كراهة الضلال فالتذكير) ومثل ذلك قولك: (إني أكره أن تأتيني فأردك) أي تكره إتيانه فرده، ومعنى ذلك أنك تكره الاتيان والرد جميعا.
ومثل هذا قولهم (اعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه بها) فإذا قدرت: مخافة أن يميل الحائط فادعمه بها، كان المعنى مخافة ميلان الحائط والدعم، فالميلان مخوف والدعم مخوف أيضا لأنه معطوف عليه.
والزمخشري قدرها (إرادة أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) فيكون الضلال على هذا مرادا، وقد اعتذر الزمخشري عن ذلك بقوله:(لما كان الضلال سببا للإذكار والاذكار مسببا عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادةا لضلا المسبب عنه الاذكار إرادة للاذكار، فكأنه قيل: إرادة أن تذكر أحداهما الأخرى أن ضلت، ونظيره قولهم، (أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه)، و (أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه)(١).
وجعل الضلال مرادا لله لا ينفك عن ضعف، ثم أنه لا يؤدي شيء آخر مؤداها في التعليل فإنك إذا أبدلت المصدر الصريح بها على تقدير الزمخشري، رأيت أنه لا يؤدي المعنى المقصود، فلو قلت (لإرادة الضلال فالتذكير) لم يؤد المعنى كما هو ظاهر.