للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب ابن عصفور إلى أن هذا القول دعوى بلا دليل " بل قد يكون النفي بـ (لا) آكد من النفي بـ (لن) لأن المنفي بـ (لا) قد يكون جوابًا للقسم، نحو (والله لا يقوم زيد) والمنفي بـ (لن) لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد منه إذا لم يقسم (١).

٣ - إن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) أي أن (لن) تنفي المستقبل القريب بخلاف (لا) فإنها تنفي المستقبل المتطاول.

جاء في (البرهان) أن بعضهم ذهب إلى أن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) لأن آخرها ألف وهو حرف يطول فيه النفس، فناسب طول المدة بخلاف (لن).

ولذلك قال تعالى: {لن تراني} [الأعراف: ١٤٣]، هو مخصوص بدار الدنيا، وقال {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: ١٠٣] (٢). وهو مستغرق لجميع أزمنة الدنيا والآخرة، وعلل بأن الألفاظ تشاكل المعاني ولذلك اختصت (لا) بزيادة مدة.

وهذا ألطف من رأي المعتزلة، ولهذا أشار ابن الزملكاني في (البيان) بقوله: (لا) تنفي ما بعد (ولن) تنفي ما قرب، وبحسب المذهبين أولوا الآيتين في قوله تعالى: {ولن يتمنوه أبدا} [البقرة: ٩٥]، و {لاتمنونه أبدًا} [الجمعة: ٧].

قلت: والحق أن (لا) و (لن) لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة، والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج (٣).

وجاء في (بدائع الفوائد) أن (لن) تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها، كامتداد معنى النفي في حرف (لا) إذا قلت: لا يقوم زيد أبدًا ..

وتأمل حرف (لا) كيف تجدها لاما بعدها ألف يمتد بها الصوت، مالم يقطعه ضيق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد، معناا (ولن) بعكس ذلك، فتأمله فإنه معنى بديع،


(١) الأشباه والنظائر ٣/ ٩ - ١٠
(٢) والمقصود بالادراك الاحاطة
(٣) البرهان ٢/ ٤٢٠ - ٤٢١، وانظر الهمع ٢/ ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>