للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقول:

أما أن (لا) تأتي للاستقبال فهذا ما لا شك فيه، قال تعالى: {واتقوا يوما لا تجري نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} [البقرة: ٤٨]، وهذا استقبال.

وقال: {فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} [البقرة: ٨٦]. وقال: {ولا تسئلون عما كانوا يعملون} [البقرة: ١٣٤].

وقال: {ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم} [البقرة: ١٧٤]. وقال: {يآيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله يقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} [المائدة: ٥٤].

وهذا كله استقبال:

وأما تخليصها الفعل المضارع للاستقبال، وأنها لا تنفي الحال، فهذا موضع نظر نازع فيه بعضهم مستدلا بصحة قولنا (جاء زيد لا يتكلم) وبصحة قولنا (أتحبه أم لا تحبه) و (أتظن ذلك أم لا تظن) ولا ريب أن ذلك بمعنى الحال، وبقولهم: مالك لا تقبل، وأراك لا تبالي، وبنحو قول الله تعالى {ومالنا لا نؤمن بالله} [المائدة: ٨٤]، و {مالكم لاترجون لله وقارا} [نوح: ١٣]، و {مالي لا أرى الهدهد} [النمل: ٢٠]، و {مالي لا أعبد الذي فطرني} [يس: ٢٢] (١). وهذا كله يفيد الحال.

والحق الذي لا مرية فيه أنها تأتي للحال، كما تأتي للاستقبال، وليست هي من مخلصات الفعل للمستقبل كما يذهب إليه الجمهور، يدل على ذلك الاستعمال الفصيح الكثير في القرآن الكريم وغيره.

قال تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: ١٧١].

وقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: ١٨٥]


(١) بدائع الفوائد ٤/ ١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>