فلا عجب أن تكون (لا) ممتدة النفي بهذا المعنى وبذلك تكون الملاحظة الطريفة في أن النفي بـ (لا) أطول من النفي بـ (لن) لأن آخرها ألف، وهو حرف يطول فيه النفس فناسب طول المدة بخلاف (لن) ملاحظة صحيحة.
وأما اختلاف النفي في الآيتين الكريمتين اللتين سبق ذكرهما في ورود إحداهما بـ (لن) والأخرى بـ (لا) فهذا له سبب اقتضاه المقام، والآيتان هما:
١ - {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يمنوه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}[البقرة: ٩٤ - ٩٥].
٢ - {قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدًا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}[الجمعة: ٦ - ٧].
فنفي الأول بـ (لن)(ولن يتمنوه) والثانية بـ (لا) و (ولا يتمنونه)، وسبب ذلك أن الكلام في الأولى على الآخرة {قل إن كانت لكم الدار الآخرة}[البقرة: ٩٤]، وهي استقبال فنفي بـ (لن) وهو حرف خاصة بالاستقبال.
وإن الكلام في الثانية عام لا يختص بزمن دون زمن {إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس}[الجمعة: ٦]، فهذا امر مطلق فنفي بـ (لا)، وهو الحرف الذي يفيد الإطلاق والعموم، والله أعلم.
أما ما ذهب إليه بعضهم من أن العرب تنفي المظنون بـ (لن) والمشكوك فيه بـ (لا) فهذا كلام لا يقوم عليه دليل، فقد قال تعالى:{إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له}[الحج: ٧٣]، ولم يظن أحد أنهم يتمكنون من خلق ذبابة، وكذلك بالنسبة لـ (لا)، فقد قال تعالى:{ولا يحيطون بشيء من علمه}[البقرة: ٢٥٥]، وقال:{ولا يؤده حفظهما}[البقرة: ٢٥٥]، وهذا ليس مشكوكا فيه، وقال {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}[البقرة: ٢٣٢]، وقال:{إن الله لا يخلف الميعاد}[آل عمران: ٩]، وقال:{إن الله لا يحب المعتدين}[البقرة: ١٩٠]، وليس في هذا شك.