فجاء بالتنكير في مقام الزيادة في ذمهم وإليك سياق كل من الآيتين قال تعالى:{وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}[البقرة: ٦١]، فعرف الحق فيها.
وقال:{ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}[آل عمران: ١١٢]، فنكر الحق.
ومن الواضح أن موطن الذم والتشنيع عليهم والعيب على فعلهم في آية آل عمران أكبر منه في آية البقرة، يدل على ذلك أمور منها:
إنه في سورة البقرة جمع (الذلة والمسكنة) وأما آية آل عمران فقد أكد، وكرر، وعمم فقال {ضربت عليم الذلة أين ما ثقفوا} فجعلها عامة، ثم قال:{وضربت عليهم المسكنة} فأعاد الفعل، وحرف الجر للزيادة في التوكيد، فإن قولك (أنهاك عن الكبر وأنهاك عن الرياء) آكد من قولك (أنهاك عن الكبر والرياء).
ثم إنه ذكر الجمع في آية البقرة بصورة القلة فقال {ويقتلون النبين} وذكره في آية آل عمران بصورة الكثرة، فقال:{ويقتلون الأنبياء} أي يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق.
فالتشنيع عليهم والعيب على فعلهم وذمهم في سورة آل عمران أشد، ومن هنا يتبين أن التعريف في آية البقرة أليق والتنكير في آية آل عمران أليق.
وكذلك كلمتا (معروف) و (المعروف) اللتان وردتا في آيتي سورة البقرة ٢٣٤، ٢٤٠، قال تعالى:{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف}[البقرة: ٢٣٤]، فعرف (المعروف).