للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء في (التصريح): " وإذا سقطت الفاء من المضارع الواقع بعد الطلب المحض وقصد بالفعل الذي سقطت منه الفاء معنى الجزاء (١). للطلب السابق عليه، جزم الفعل، والمراد بقصد الجزاء، أنك تقدره مسببا عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جزاء الشرط مسبب عن فعل الشرط (٢).

وهنا يبرز سؤال وهو؟ ما الفرق بين سقوط الفاء وبقائها في المعنى؟ ما الفرق مثلا بين قولك (هل تزورني أكرمك) و (هل تزورني فأكرمك)؟ المعنى واحد أم مختلف.

الذي يبدو أنهما أسلوبان متغايران معناهما مختلف، وذلك أن التعليل بالفاء إنما هو لبيان السبب فقط، وليس الارتباط بها ارتباطا شرطيا، ولذا يصح أن تأتي بالفاء أحيانا ولكن لا يجوز اسقاطها وجزم الفعل بعدها، لأن معنى الشرط لا يصح، وذلك نحو قولنا (لا تدن من الأسد فيأكلك) فإن هذا التعبير صحيح، وهو بيان لعلة عدم الاقتراب من الأسد، بخلاف ما لو قلنا (لا تدن من الأسد يأكلك) فإنه لا يصح فيه الجزم، لأنه لا يصح تقدير الشرط فيه، إذ لا يقال: (إن لا تدن من الأسد يأكلك). قال تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [الأعراف: ١٩]، فأنت ترى أنه لا يصح اسقاط الفاء والجزم على الطلب، لأنه لا يصح في المعنى (إن لا تقربا هذه الشجرة تكونا من الظالمين)، فالفاء لبيان علة النهي عن الاقتراب من الشجرة، ولكن ليس ارتباط ما قبلها بما بعدها اربتاطا شرطيا. ومثله قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: ١٠٨]، وقوله: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: ٧٣]، وقوله: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: ٤٦]، وقوله: {ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين} [يونس: ٩٥]، وقوله: {لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} [يوسف: ٥].


(١) في الأصل (معنى الجزم)، وهو غلط مطبعي كما هو ظاهر وكما يدل عليه ما بعده والحاشية.
(٢) التصريح ٢/ ٢٤١، وانظر شرح الأشموني ٣/ ٣٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>