إلى ما بعد الفاء، فما بعد الفاء داخل في التمنى، وقوله:{ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}[النساء: ٩٧]، فإن الإنكار مستمر إلى ما بعد الفاء ولا يصح إسقاط الفاء والقول (الم تكن أرض الله واسعة تهاجروا فيها) لأن المعنى سيتغير، ثم لا يصح أن يقال: إن كانت واسعة تهاجروا فيها على المعنى السابق.
وكذلك قوله تعالى:{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}[الحج: ٤٦]، فالاستفهام مستمر بخلاف ما لو اسقطت الفاء وجزمت، فإن المعنى لا يصح.
ويوضحه أيضا قوله تعالى:{ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}[يونس: ٨٨]، فأنت ترى أنك إذا أسقطت الفاء فقلت (يؤمنوا) تغير المعنى تغيرا كبيرا، وذلك أن قوله تعالى:{فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} داخل في الدعاء وأن المقصود طلب عدم إيمانهم حتى يروا العذاب الأليم، بخلاف ما لو اسقطت الفاء فقلت (ربنا اطمس على أموالهم .. لا يؤمنوا) فعند ذلك يخرج قولك (لا يؤمنوا فتكون نتيجة الطمس عدم الإيمان، وليس فيه تنصيص على أن ذلك مراد له، وإنما هو تقرير حقيقة فقط.
يتبين من ذا أن ثمة فرقا كبيرا بين ذكر الفاء واسقاطها، والجزم على الطلب، فإن لكل معنى، قال تعالى:{وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين}[المنافقون: ١٠]، فأنت ترى أنه نصب الفعل بعد الفاء (فأصدق) ثم عطف عليه بالجزم، (وأكن من الصالحين)، والسبب، والله أعلم، أن قوله (وأكن من الصالحين) ليس على إرادة الفاء بل على نية اسقاطها، فيكون الثاني جزاء كأنه أراد (إن اخرتني أكن من الصالحين) فأسقط الفاء على إرادة الشرط، ولو عطف لكانا شيئا واحدا.