للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تقل كيف يصح عطف الجزاء على ما ليس جزاء، فهذا كثير فإنه معلوم أنه يصح العطف بفاء السبب، وواو المعية على الشرط والجزاء (١). فنقول: (إن تأتني فتكرمني أشكر لك صنيعك) وتقول: (من يزرني أكرمه فأشكر له صنيعه) وتقول (من يزرني أكرمه وأشكر له صنيعه) فهذا عطف سبب على جزاء، وذاك عطف جزاء على سبب.

فاتضح بهذا أن ما يسمى بجواب الطلب، إنما هو إسلوب شرطي، غير أن هذا الأسلوب يختلف عن أسلوب الشرط المشهور، وهو الذي تذكر فيه أداة الشرط وفعله، وجزاؤه نحو (إن تزرني أزرك) وذلك أن الارتباط هنا ليس بأداة شرط، بل الارتباط بمعنى الجزاء، وأن الشرط في الإسلوب الشرطي المشهور يكون فعلا ماضيا، أو مضارعا، بخلاف هذا الإسلوب فإن الشرط فيه يكون طالبا دائما.

ثم إن هذا التعبير يؤدي معنى لا يؤديه الأسلوب الشرطي المشهور، فمثلا أن قوله تعالى: {فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض} [البقرة: ٦١]، لا يؤديه قولنا (إن تدع لنا ربك يخرج) وذلك أن قوله (ادع لنا ربك) يفيد أن الدعاء مطلوب مراد للقائلين بخلاف قولنا (إن تدع لنا يخرج) فإنه لا يدل على أن الدعاء مطلوب لهم، ومثله قوله تعالى: {نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون} [النمل: ٤١]، فهذا يختلف عن قولنا (إن تنكروا لها عرشها ننظر) فإن قوله تعالى: {نكروا لها عرشها} يفيد أن التنكير مأمور به مطلوب، بخلاف قولنا (إن تنكروا لها عرشها ننظر) فإن معناه إذا فعلتم ذلك نظرنا، ولا يفيد ان التنكير مطلوب.

ومثله قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم} [التوبة: ١٤]، فإنه يدل على أن القتال مطلوب، بخلاف ما لو قلنا (إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) فإنه لا يفيد ان القتال مطلوب صراحة، وكذلك قوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: ٦٠]، يختلف عن قولنا (إن تدعوني استجب لكم) فإنه في الآية يفيد أن الدعاء مطلوب من العبد،


(١) انظر شرح الأشموني ٤/ ٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>