للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن المعلوم أن الفعل المضارع المسبوق بـ (لم) و (لما) يفيد المضي، فخروج الفعل من باب إلى باب آخر غير منكور في اللغة.

وهو في الشرط كذلك فإن الماضي في الشرط يفيد الاستقبال كثيرا

واستعمال الفعل الماضي في الشرط للدلالة على المستقبل، ليس مختصا بالعربية وحدها بل هو كثير في اللغات السامية أيضا، كالاكدية، والعبرية والحبشية، وأكثر اللغات السامية تستعمل الماضي في الشرط والحاضر أو المستقبل في الجزاء (١). غير أن العربية تستعمل الماضي والمضارع للشرط والجواب.

وقد ذهب النحاة إلى أن القصد من مجئ الشرط ماضيا، وإن كان معناه الاستقبال، هو إنزال غير المتيقن منزلة المتيقن، وغير الواقع منزلة الواقع وهذا ما فسروا به التعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية، في غير الشرط أيضا، نحو قوله تعالى: {ونفخ في الصور} وقوله: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا} [الكهف: ٤٧]، قالوا جيء بهذه الأفعال على صيغة الماضي، وإن كانت مستقبلة للدلالة على أنها متيقنة الحصول، وأنها بمنزلة الفعل الماضي في التحقق.

فهو تفسير عام للتعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية.

جاء في (الخصائص): " وكذلك قولهم (إن قمت قمت) فيجيء بلفظ الماضي والمعنى معنى المضارع وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه، حتى كأن هذا قد وقع واستقر، لا أنه متوقع مترقب، وهذا تفسير أبي علي عن أبي بكر وما أحسنه (٢).

قالوا وقد يكون ذلك لأسباب أخرى، كالتفاؤل أو لاظهار الرغبة في وقوعه نحو (إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام) فإن الطالب إذا تبالغت رغبته في حصول أمر يكثر تصوره إياه فربما يخيل إليه حاصلا (٣).


(١) انظر التطور النحوي ١٣٣
(٢) الخصائص ٣/ ١٠٥، وانظر شرح الرضي على الكافية ٢/ ٢٩٣
(٣) الإيضاح للقزويني ٩٣، وانظر البرهان ٢/ ٣٥٨، مختصر المعاني للتفتازاني ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>