للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصواب أن الشرط قد يأتي للمضي، يدل على ذلك الاستعمال الفصيح بما لا يقبل التأويل.

فقد يأتي الشرط للدلالة على المضي، وذلك إذا كان بلفظ (كان) بعدها فعل ماض، نحو قوله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: ١١٦].

والمعنى أنك تعلم ذلك، إذا كان قد صدر منى، والنحاة يؤولون ذلك على أنه: إن ثبت إني كنت قلته، أو إن يثبت في المستقبل أني كنت قلته، في الماضي فأنا أعلم أنك علمته (١).

وهو تأول بعيد، فكيف يقول لربه أن يثبت في المستقبل وهو في خطاب الله عز وجل، وهل الله جاهل ذلك وقت الخطاب، حتى يثبت له في المستقبل؟

وكذلك قوله تعالى: {وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت} [يوسف: ٢٧]، والنحاة يتأولون ذلك كما أسلفنا.

جاء في (شرح الرضي على الكافية): " ثم أعلم أن (إنْ) يكون شرطها في الأغلب مستقبل المعنى فإن أردت معنى الماضي جعلت الشرط لفظ (كان)، كقوله تعالى: {إن كنت قلته} و (إن كان قميصه).

ثم إن (كان) إذا كان شرطا، قد يكون بمعنى فرض الوقوع في الماضي، نحو: {إن كنت قلته} {وإن كان قميصه} وقد يكون متحقق الوقوع فيه نحو: زيد وإن كان غنيا إلا أنه بخيل (٢).

وجاء في (بدائع الفوائد): " قال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام: {إن كنت قلته فقد علمته} فهذا شرط دخل على ماضي اللفظ وهو ماضي المعنى قطعا، لأن المسيح


(١) انظر التصريح ٢/ ٢٤٩، حاشية الخضري ٢/ ١٢٢، حاشية الصبان ٤/ ١٦
(٢) شرح الرضي على الكافية ٢/ ٢٩٣، وانظر الكليات ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>