فأنت ترى أن ذكر الأجل جاء عرضا في اثناء الكلام على الاعتقادات الباطلة، وليس كذلك الأمر في سورة يونس، فإن السياق فيها إنما هو في آجال الأمم وحسابها في اليوم الآخر، الذي ينكره المتحدث عنهم من الكفرة، فاحتاج الكلام إلى زيادة توكيد بخلاف المواطنين الآخرين.
جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}[الجن: ١٣]، " فلا يخاف -فهو لا يخاف أي فهو غر خائف، ولأن الكلام في تقدير مبتدأ وخبره دخلت الفاء ولولا ذاك لقيل (لا يخف).
فإن قلت: أي فائدة في رفع الفعل، وتقدير مبتدأ قبله، حتى يقع خبرا له، ووجوب إدخال الفاء، وكان ذلك كله مستغني عنه بأن يقال: لا يخف؟
قلت: الفائدة فيه، أنه إذا فعل ذلك، فكأنه قيل فهو لا يخاف، فكان دالا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة، وأنه هو المختص بذلك دون غيره (١).
فقد ذكر أن الفاء دلت على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة، ولكنه لم يخرج من دائرة النحاة في تقدير مبتدأ ليكون الكلام من باب التخصيص، وهذا ما لا داعي له، ولا يصدق على كثير من التعبيرات، فأين التخصيص في قوله تعالى مثلا:{قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا}[الأحقاف: ٨].
فإن تقديره كما يذهب النحاة (فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا) وعلى هذا التقدر يفيد الكلام تخصيصا، ولكن المعنى يأباه، فهم لا يملكون له من الله شيئا، كما لا يملك غيرهم له من الله شيئا فليسوا هم مختصين بهذا الأمر.
ويرد هذا ايضا أنه لا يصح تقدير مبتدأ أحيانا بعد الفاء، كما ذكرنا فينتفي هذا المعنى، إن صاحب الكشاف لو اقتصر على معنى التحقيق، لكان كلامه اسلم، ومذهبه أسد، والله أعلم.