للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب جماعة من البصريين إلى أن ثمة فرقا في المعنى بين التقديم والتأخير، فإن قولنا (أزورك إن زرتني) الكلام فيه مبني على الوعد غير المشروط، ثم بدا للمتكلم أن يشترط بخلاف ما إذا بدأ بالشرط، فقال (إن زرتني زرتك) فإنه بناه على ابتداء على الشرط.

قال ابن السراج" " فأما قولهم (أجيئك إن جئتني) و (آتيك إن تأتني) فالذي عندنا إن هذا الجواب محذوف كفي عنه الفعل المقدم، وإنما يستعمل هذا على جهتين:

أما إن يضطر إليه شاعر، فيقدم الجزاء للضرورة، وحقه التأخير.

وأما إن تذكر الجزاء بغير شرط، ولا نية فيه، فتقول: (أجيئك) فيعدك بذلك على كل حال، ثم يبدو له إلا يجيئك بسبب، فتقول: إن جئتني، ويستغني عن الجواب بما قدم (١).

قيل: وليس كذلك بل الكلام مبني على الشرط وإن تأخر.

جاء في (البرهان): " ففي التقدم بني الكلام على الخبر، ثم طرأ التوقف، وفي التأخير بني الكلام من أوله على الشرط، كذا قاله ابن السراج وتابعه ابن مالك وغيره.

ونوزعا في ذلك، بل مع التقديم مبني على الشرط، كما لو قال: (له على عشرة إلا درهما) فإنه لم يقر بالعشرة، ثم أنكر درهما، ولو كان كذلك لم ينفع الاستثناء.

ثم زعم ابن السراج أن ذلك لا يقع إلا في الضرورة، وهو مردود بوقوعه في القرآن، كقوله: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: ١٧٢] (٢).

أما قوله: أن ابن السراج زعم أن ذلك لا يقع إلا في الضرورة، فهو وهم على ابن السراج، فإنه لم يقل ذاك، وإنما قال: إن هذا التعبير إما أن يقع في ضرورة شعر، وإن الشاعر لم يقصد منه ما يقصد في اختيار الكلام، وإما أن يكون على نية ذكر الجزاء بغير شرط، ثم بدا له أن يذكر الشرط فيما بعد، وهذا حق.


(١) الأصول ٢/ ١٩٦
(٢) البرهان ٢/ ٣٦٦ - ٣٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>