للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت (الذي يفتح الصندوق له خمسة دراهم) - لا وفاء - فإن قولك هذا يحتمل السببية وغيرها، أي يحتمل أن الحصول على الدراهم يكون بسبب فتح الصندوق، ويحتمل أن الشخص الذي يفتح الصندوق له مبلغ خمسة دراهم، وليست هذه الدراهم يستحقها بسبب فتح الصندوق، بل هي له قبل أن يباشر فتح النصدوق، فكأنك قلت: انظر إلى هذا الشخص الذي يفتح الصندوق، فإن له خمسة دراهم.

ولكن إذا قلت (الذي يفتح الصندوق فله خمسة دراهم) فقد جعلت استحقاق الدراهم بسبب فتح الصندوق.

قال ابن هشام: " كما تربط الفاء الجواب بشرطه، كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو (الذي يأتيني فله درهم) وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الاتيان، ولو لم تدخل احتمال ذلك وغيره (١).

وهذا ما أشار إليه سيبويه في قوله الذي ذكرناه " غير أنه إنما أدخل الفاء لتكون العطية مع وقوع الاتيان، فإذا قال (له درهمان) فقد يكون أن لا يوجب ذلك بالاتيان" أي يحتمل ذلك وغيره.

قال تعالى: {والآتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: ١٥]، فالاستشهاد مترتب على اتيان الفاحشة.

وقال: {والذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: ١٦]، فالايذاء مترتب على اتيان الفاحشة ترتب الجزاء على الشرط.

ويبدو لي أن الفاء ليست لمجرد السبب، بل تفيد التوكيد أيضا، كما ذكرنا ذلك سابقا يدلك على ذلك الاستعمال القرآني.

قال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: ٢٦٢].

وقال: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: ٢٧٤].


(١) المغني ١/ ١٦٥، وانظر شرح الرضي ١/ ١٠٩، التصريح ١/ ١٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>