فجاء في الثانية بالفاء دون الأولى، وذلك لأن الحالة الثانية أمثل، وأكمل من الأولى، يدلك على ذلك كثرة الانفاق وعمومه، والإخلاص فيه في الثانية، فقد قال:{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} ولم يقل مثل ذلك في الأولى، فهؤلاء أمثل ممن قبلهم، فأكد لهم الجزاء وربطه بالفاء.
وقال:{إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون}[آل عمران: ٩٠]. وقال:{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به}[آل عمران: ٩١].
فجاء في الثانية بالفاء دون الأولى، وذلك لما في الثانية من توكيد، وذلك أنهم ماتوا وهم كفار بخلاف الأولى. ومثله قوله تعالى:
{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم}[محمد: ٣٢].
وقوله:{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم}[محمد: ٣٤].
وهو نظير ما مر، فقد جرد الأولى من الفاء، وجاء في الثانية بالفاء توكيدًا، وذلك لأنهم ماتوا وهم كفار. وقال:{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}[البروج: ١٠].
وقال:{إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير}[البروج: ١١]. فجاء في الأولى بالفاء دون الثانية، وذلك لأن المقام والسياق يقتضيان توكيد الأولىن وذلك أنها جاءت تعقيبا على الذين فتنوا المؤمنين عن دينهم وجعلوهم في الأخاديد وأضرموا عليهم النار {قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود}[البروج: ٤ - ٦].