فما كان شأنه التجدد والاستمرار نفاه بـ (لم) مع المضارع، وما حدث مرة واحد نفاه بـ (ما) مع الماضي.
وقال:{حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا}[الكهف: ٩٠]، ولم يقل (وما جعلنا لهم) لأن ذلك متكرر متطاول، إذ كل يوم تطلع عليهم الشمس وليس لهم ستر دونها، فجاء بالفعل المضارع مع (لم) بخلاف قوله تعالى: {وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنة للناس}[الإسراء: ٦٠]، فجاء بالفعل الماضي مع (ما) لأن الرؤيا وقعت مرة واحدة، ثم إن الآية هذه رد على الكفرة الذين سخروا من رؤياه بخلاف الآية الأولى، فإنها إخبار لا رد، فجاء في الأولى بـ (لم) والثانة بـ (ما) والله أعلم.
ونحوه قوله تعالى:{في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين}[المدثر: ٤٠ - ٤٤]، فجاء بـ (لم) مع المضارع للدلالة على التكرر والتجدد، فإن الصلاة تتكرر وإطعام المسكين يتكرر.
ويمكن أن يقال أيضا أنه قد ينفي بـ (ما) مع الماضي إذا أريد نفي الحدث بصورته المنقضية التامة، وينفي بـ (لم) مع المضارع إذا أريد نفي الحدث في الماضي بصورة التغير والتجدد فيشخص في الذهن بصورته المتجددة، ثم ينفيه بهذه الصورة في الماضي، فإذا قلت مثلا (ما استجاب لك خالد) أفاد نفي الاستجابة في الماضي بصورتها النهائية التامة، وإذا قلت (لم يستجب لك خالد) أفاد نفي الاستجابة في الماضي بصورتها التجددية، قال تعالى:{فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه}[البقرة: ٢٥٩]، فجاء بـ (لم) وذلك لأن تغير الشراب والطعام يحصل تدريجيا ويستمر وليس دفعة واحدة فجاء بـ (لم) للدلالة على أنه لم يحصل شيء من ذلك، ولو جاء بـ (ما) وقال (ما تسنه) لأفاد نفي التسنه وهو التغير بصورته النهائية التامة.
وقال:{ويوم يقوم نادوا شركاءي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم}[الكهف: ٥٢]، فهنا أفاد نفي الاستجابة بصورة التجدد والتطاول، ولو قال (ما استجابوا لهم) لأفاد نفي الاستجابة بصورتها المنقضية التامة.