ويبدو لي أن قوله تعالى:{ورءا المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا}[الكهف: ٥٣]، يفيد تكرار البحث، وإدامة النظر للخروج من النار، فكأننا نراهم يبحثون غير أنهم لم يجدوا على كثرة ما بحثوا، ولو قال (ما وجدوا) لأفاد انتفاء الحدث بصورته المنقضية، لا بصورة البحث والتفتيش.
والذي دعاني إلى هذا الفهم، هو صورة المضارع مع (لم)، وصورة الماضي مع (ما) وهما صورتان مختلفتان.
٥ - إذا عطف على المنفي بـ (لم) بالماضي، كان إثباتا للمعطوف، وإذا عطفت على المنفي بـ (ما) احتمل النفي والاثبات، وذلك نحو قولك:(لم اعط محمدًا واعطيت خالدا) فهذا نفي لاعطاء محمد وإثبات لاعطاء خالد، ولو قلت (ما أعطيت محمدا وأكرمت خالدًا) لا حتمل نفي اعطاء محمد ونفي إكرام خالد أي: وما أكرمت خالدا وأحتمل الاستئناف أيضا، أي نفي الإعضاء وإثبات الأكرام فلا يكون عطفاً.
وقد تقول هذا مردود بقوله تعالى:{ألم يجدك يتيما فأوي ووجدك ضالا فهدى}[الضحي: ٦ - ٧]، فقد عطف (وجدك) على (ألم يجدك).
والثاني مثبت، والأول منفي، ومعناهما واحد.
والحق أنهما ليسا مختلفين، فإن الآية الأولى تقرير، أي إثبات وليس نفيا، فقوله تعالى {ألم يجدك يتيما} معناه: أنه وجدك يتيما، ونحو قوله تعالى:{ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك}[الإنشراح: ١، ٢]، فالمعنى أنه شرح له صدره ووضع عنه وزره، فهما ليسا مختلفين.
٦ - قد يحتمل أشتراك (ما) مع ما يشبه لفظها من اسم موصول، أو من حرف مصدري فيحتمل التعبير أكثر من معنى، ولا يكن ذلك مع (لم)، وذلك نحو قولك:(تركتهم وما يعبدون إلا الله) فقد يحتمل أن يكون المعنى، أنه تركهم وهم لا يعبدون إلا الله، أي تركهم يعبدون الله. ويحتمل أن يكون المعنى تركتهم وعبادتهم إلا الله، أي: