ولما كان المقام مقام إطالة، ومبالغة في المحاجة، جيء بهمزة الاستفهام لتشترك في الدلالة على قوة الاستفهام، والتصريح به.
ففي الآية الأولى أضمر المقول له، وأضمر همزة الاستفهام، وفي الثانية صرح بالمقول له وبهمزة الاستفهام.
٥ - قال في سورة الأعراف:{قال نعم وإنكم لمن المقربين}[الأعراف: ١١٤]، وقال في سورة الشعراء:{قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين}[الشعراءك ٤٢]، بإضافة (إذن) إلى الجواب، وهي إضافة مناسبة للجو والسياق.
٦ - قال في سورة الشعراء:{فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون}[الشعراء: ٤٤]، فأقسموا بعزة فرعون، وهو ما لم يذكر في الأعراف، وذلك لأن الموقف إعزاز لفرعون صراحة، فأنت ترى أن كل لفظة في سياقها تسهم في تصوير الجو المناسب للموقف.
٧ - قال في سورة الأعراف:{إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون}[الأعراف: ١٢٣].
وقال في سورة الشعراء:{إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون}[الشعراء: ٤٩]، بزيادة اللام على سوف فلسوف زيادة في التوكيد في الوكيد، وهي نظيرة ذكر الهمزة ههنا، وحذفها ثم.
٩ - قال في سورة الأعراف:{قالوا إنا إلى ربنا منقلبون}[الأعراف: ١٢٥]، وقال في سورة الشعراء:{قالوا لا ضير لنا إلى ربنا منقلبون}[الشعراء: ٥٠]، بزيادة (لا ضير) زيادة في التبكيت، وعدم الاهتمام بعذاب فرعون، وهذه الزيادة تناسب الجو والسياق.
هذه نماذج من الفروق بين السياقين، فأنت ترى أن ذكر الهمزة في آية الشعراء هو المناسب لسياقها، وحذفها من الأعراف هو المناسب لسياقها، فسياق الشعراء سياق إطالة، وتحد ومحاجة، ومبالغة في الخصومة، أكثر مما هو في الأعراف، فرصد لكل سياق ما يناسبه من الألفاظ.