إلا إحدى الحسنين) فإن الأولى ليست نفيا خالصا، فإن فيها من التحدي والإستخفاف ما لا يؤديه النفي المحض، ونحوه قوله تعالى ردًا على طلب الكفار حين طلبوا من الرسول أن يفجر لهم من الأرض ينبوعا، أو يسقط السماء كسفا، أو أن يأتي بالله والملائكة وما إلى ذلك، فقال:{قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولا}[الإسراء: ٩٣]ـ، فأنت ترى أن المعنى مختلف عن النفي المحض، وأنه لو جاء بالنفي فقال (قل سبحان ربي ما كنت إلا بشرًا رسولا) ما كان يؤدي ما أداه الاستفهام من استنكار قولهم، والتعجب من طلبهم، فهو يسألهم (هل كنت إلا بشرًا رسولا) وسيكون الجواب حتما (لا لست إلا بشرًا) ومن هنا يكون التعجب والإستنكار، وهو أنه إذا كنتم تعلمون إني بشر فكيف تطلبون مني مثل هذا؟
ونحوه قوله تعالى:{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم}[يونس: ١٠٢]، فهو يختلف عن قولنا (فما ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) فأنت ترى أن النفي بطريق الاستفهام ليس نفيا محضا، بل هو مشوب بمعان أخرى لا يؤديها النفي المحض.
والجهة الثانية: أن النفي الصريح إنما هو اقرار من المخبر، فإذا قال:(ما جزاء الإحسان إلا الإحسان) أو قال (ما على الرسول إلا البلاغ) كان هذا إخبارًا من المتكلم. أما إذا قال ذلك بطريق الاستفهام. فإن المقصود أشراك المخاطب في الأمرن فهو يريد الجواب منه، فإذا قال مثلا (هل على الرسول إلا البلاغ) كان المخاطب مدعوا لأن يجيب، وسيكون جوابه المنتظر: لا ليس على الرسول إلا البلاغ.
وإذا قال:(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) كان المخاطب مدعوا لأن يجيب وسيكون جوابه: لا، ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فالنفي ابتداء يفيد أن المتكلم يقول الأمر من نفسه، وأما في الاستفهام فإنه يدع ذلك للمخاطب ليقوله.