والفرق واضح بين السياقين، فأنت ترى أن السياق الثاني قوة وتبكيتا لا تجده فيما قبله، فذكر أن الكفار اتخذوا الدين والنداء والصلاة هزوا ولعبا، وقد وصفهم بالفسق وعدم العقل، وأنهم لعنهم الله وغضب عليهم، ومسخ منهم قردة وخنازير، وأنهم عبدوا الطواغيت، ثم قال (أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل)، ويمضي في تبكيتهم ووصفهم بأقبح الوصف.
وليس الأمر كذلك في الآية التي قبلها، ولذا جاء في الأولى بالهمزة، (قل أفأنبئكم بشر من ذلك) وفي الثانية بـ (هل)(قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عندالله)؟
ونحوه ما جاء في آية الشعراء:{وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون}[الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢]، إلى أن يقول:{هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}[الشعراء: ٢٢١ - ٢٣٢].
فأنت ترى في السياق قوة، وشدة بالغة في الرد على الكفرة المفترين، فأستعمل لذلك هل.
ونحوه ما جاء في سورة الكهف، فقال قال:{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخوا آياتي ورسلي هزوا}[الكهف: ١٠٠ - ١٠٦].
فإن قوة التبكيت، وشدة التقريع واضحة في السياق، فأستعمل لذلك (هل) ولم يستعمل الهمزة.
ومن هذا الباب قوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}[الصف: ١٠ - ١٣]، فإن فيها من شدة التشويق والرحمة بالمؤمنين، والأخذ بيدهم ما ليس في حاجة إلى بيان.