أهو خوف شديد أم قليل أم غير ذلك، وقد تقول: هذا استبعاد أيضا، والجواب نعم هو استبعاد لكنه استبعاد لنوع الخوف لا لحالة الخوف.
وقوله تعالى:{كيف يهدي الله قومًا كفروا}[آل عمران: ٨٦]، لا يطابق (أي هدى يهدي الله قومًا كفروا) فالأول استبعاد هذه الحالة، وأما الثاني فهو سؤال عن نوع الهدى، وإذا قيل هو استعباد أيضا فالجواب: نعم هو استبعاد ولكن ثمة فرق بين الاستبعادين، فالأول استبعاد لهذه الحالة، وأما الثاني فو استبعاد لأنواع الهدي.
وقوله تعالى:{أل تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} لا يطابق (ألم تر أي فعل فعل ربك) فالأول تعجب من الحال التي فعلها ربنا، تعجب من الكيفية التي فعله ربنا، وأما الثاني فهو سؤال عن نوع الفعل الذي فعله، وقد يكون معناه تعجبا غير أنه تعجب من نوع الفعل لامن كيفية الفعل وحالته.
ونحوه أن تقول (كيف أعطيك وسلاحي علي) فهو لا يطابق (أي عطاء أعطيك وسلاحك علي) فالأول استنكار لهذه الحال، أو تعجب منها، أو استعباد لأنواع العطاء الذي يعطي له.
والذي قارب بين الأداتين ههنا هو خروج الاستفهام عن معناه الحقيقي الي أغراض أخرى كالتعجب والاستنكار وغيرها، فتبدو الأداتان متقاربتين، والحقيقة هي اقتراب الأغراض، فالتعجب بالهمزة قريب من التعجب بغيرها، فقول المرأة:(أألد وأنا عجوز عقيم)، يقارب القول (كيف ألد وأنا عجوز عقيم) ولكن الهمزة غير (كيف) وقولك: (أتكفر بالله وقد خلقك) قريب من قولك (كيف تكفر بالله وقد خلقك) وهكذا مع أن لكل أداة معناها واستعمالها.
ولو كان الاستفهام في نحو هذا حقيقيا، وقدر لك أن تجيب عن كل سؤال، لاختلف الجواب مع (كيف) ومع (أي) فلو سألت حقيقة (كيف يفترون على الله الكذب)؟ لاحتمل أن يكون الجواب: يفترونه مزينين هذا الكذب، أو يفترونه جاعليه في صورة الصدق، أو تقول: يلوون ألسنتهم بالحديث، ليحسبه السامع صدقا وما إلى ذلك.