وقال:{أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور}[الملك: ٢٠، ٢١]، فجاء بـ (ها) التنبيه، وسبب ذلك - والله أعلم - أن التحدي في الآيتين الأخيرتين أشد وأقوى وهو واضح من السياق. فالآية الأولى خطاب للمؤمنين قال تعالى:{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}[آل عمران: ١٥٩ - ١٦٠].
والثانية في الكلام على الكافرين في سياق التخويف من قدرة الله وبطشه:{أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرين إلا في غرور}[الملك: ١٦ - ٣١].
فالسياق والجو مختلف في الآيتين: فالأولى مقام رحمة ومسح على جراح المؤمنين ومقام عفو ومغفرة بعد معركة أحد، وأما الثانية فمقام ترهيب وإنذار وتخويف وتحذير فجاء بـ (ها) التنبيه زيادة في التحذير والتنبيه وهو ما يقتضيه المقام.
وأما الفرق بين (من) و (من ذا) فإنه نظير الفرق بين (ما) و (ماذا) فلا داعي لتكرار القول فيه.
مما تقدم يتبين أن مراحل التعبير من حيث قوته وتوكيده تتدرج كما يأتي: