ولا المقصود اجتماع خصال الجنس فيه وإنما المقصود تخصيص خالد بالمدلح من بين أفراد الجنس، ولو كان المعنى على ما قاله الأولون لتناقض القولان (نعم الرجل محمد) و (بئس الرجل خالد) فإنك في الأولى مدحت جنس الرجال كله، ثم خصصت محمدًا منهم بالذكر، وفي الثانية ذممت الرجال كلهم وخصصت خالدا منهم بالذم فتكون قد مدحت الجنس مرة، وذممته مرة أخرى، ونحوه قولك:(نعمت التفاحة هذه) و (بئس التفاحة هذه) فمرة تكون مدحت الجنس كله، ومرة تكون ذممت الجنس كله، ومثله (نعن الخلق الصدق) و (بئس الخلق الكذب) فتكون مرة مدحت الخلق ومرة ذممته.
ثم أنك على هذا تدخل في المدح مالا خير فيه من الجنس، وتدخل في الذم مالا سوء فيه فيدخل في قولك (بئس الرجال خالد) ذم الأنبياء والرسل، ويدخل في قولك (نعم الشراب الماء) و (نعم الطعام اللحم) مدح الغسلين، والغساق والزقوم، وما شاكله من طعام أهل النار، وشرابهم مما ليس فيه شيء يمدح.
فهذا التفسير غير صحيح فيما أحسب، وكذلك التفسير الثاني وهو اجتماع خصال الجنس في شيء واحد، فهذا لا يصح أيضا، ألا ترى أنه في قولك:(بئس الخلق الظن) لا يصح أن يقال اجتمع في الظن كل الخلق، السيء، وإنما المقصود كما ذكرت أنك تمدح شيئا تخصه من بين جنسه أو تذمه.
والضرب الثاني من فاعل نعم أن يكون ضميرا مستترا، مفسرا بتمييز مطابق للمعنى، نحو (نعم رجلا خالد) و (نعم رجالا أنتم) قال تعالى: {بئس للظالمين بدلا}[الكهف: ٥٠]، ولا يجوز أن يكون المرفوع فاعلا لـ (نعم)، إذ لو كان كذلك ما صح أن يقال (نعم رجلا أنت) بل لاتصل بالفعل، لأنه لا يصح أن يقال (طاب نفسا أنت) بل يقال (طبت نفسا) ولأن المرفوع يدخل عليه الناسخ نحو (نعم رجلا كان محمد)(١). ولو كان فاعلا لم يدخل عليه ناسخ، وتقدير الكلام (نعم الرجل رجلا أنت) ولا يجتمع الفاعل والتمييز معا وقد اجتمعا قليلا ومن ذلك قوله: