للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول " لا ضرر عليك" فتنفي الضرر عنه من دون إثباته لشخص آخر، وتقول " لا عليك ضرر" فتنفيه عنه وتثبته لغيره أي كأنك قلت: ليس عليك الضرر وإنما على غيرك. جاء في (البرهان): "وأما تقديم الظرف ففيه تفصيل فإن كان في الإثبات دل على الاختصال كقوله تعالى: {ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: ٢٦]، .. وإن كان في النفي فإن تقديمه يفيد تفضيل المنفي عنه كما في قوله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} [الصافات: ٤٧] (١).

والصواب ما أثبتناه، وهو أن تأخير الظرف يفيد نفي الشيء عن المذكور، وتقديمه يفيد النفي عن المذكور، وإثباته لغيره، ولا يفيد دائمًا تفضيل المنفي عنه وإلا فقولك: "لا عندك صواب" ذم لا مدح.

وربما قلت ألست تقول: إنه إذا تقدم الظرف وكان الاسم نكرة لم يسأل عن سبب تقديمه نحو: "في الدار رجل" فلماذا ذكرت هنا إن تقديمه لمعنى؟

والجواب واضح، وهو إنه إذا كان ذاك في حيز الإثبات لم يكن له غرض، لأن تقديمه واجب وأما إذا كان في حيز النفي، فليس الأمر كذلك، لأن النفي من مسوغات الابتداء بالنكرة، إذ إنه لا يجوز أن يبتدأ بالنكرة بعد النفي، نحو (ام رجل في الدار) ولذلك كان تقديم الظرف لغرض من الأغراض.

والتحقيق أن التقديم إنما يكون للإهتمام والعناية بالمقتدم، سواء كان لغرض الحصر أم غيره قال الإمام عبد القاهر: "واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم بشأنه أعني وإن كانا جميعًا يهمانهم ويعنيانهم" (٢).


(١) البرهان ٣/ ٢٣٦
(٢) دلائل الإعجاز ٨٤، وانظر كتاب سيبويه ١/ ١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>