للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو قلت: همم له لا منتهى لكبارها، لكان الجار والمجرور صفة لا خبرًا، لأن المبتدأ نكرة ويكون الخبر "لا منتهى لكبارها" ولكن الشاعر أراد أن يجعل (له) هو الخبر فقدمه على المبتدأ ليعلم أن هذا هو الخبر لا قوله (لا منتهى لكبارها).

وقد يكون تقديمه لأمر يقتضيه المقام كقولك (زيد في الدار)، جوابًا عن سؤال (أين زيد؟ ) و (في الدار زيد) جوابًا عن سؤال (من في الدار)، فهذا ليس من باب الاختصاص أو غيره مما ذكرنا، وإنما قدمت الذي يعلمه المخاطب وأخرت الذي يجهله، ففي الأولى يجهل مكان زيد فأخبرت به، وفي الثانية يعلم أن في الدار أحدًا ولكنه يجهل من فيها فأخبرت بالذي يجهله، وابتدأت بما يعلم.

فإن كان الكلام منفيًا، نحو (لا ريب فيه)، و (لا فيه ريب)، كان تأخير الظرف، يفيد نفي الشيء عن المذكور فقوله تعالى {لا ريب فيه} [البقرة: ٢]، يفيد نفي الريب عن القرآن. وأما تقديم الظرف فهو يفيد النفي عن المذكور، إثباته لغيره، فلو قال (لا فيه ريب) لنفي الريب عن القرآن وأثبته في غيره، فيكون تعريضًا بالكتب الأخرى، جاء في المثل السائر: "وأما الثاني وهو تأخير الظرف وتقديمه في النفي فنحو قوله تعالى: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: ١ - ٢] وقوله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} [الصافات: ٤٧]، فإنه إنما أخر الظرف في الأول، لأن القصد في إيلاء حرف النفي الريب، نفي الريب عنه، وأثباته أنه حق، وصدق لا باطل وكذب كما كان المشركون يدعونه، ولو أولاه الظرف لقصد أن كتابًا آخر فيه الريب لا فيه كما قصد في قوله تعالى: {لا فيها غول} فتأخير الظرف يقتضي النفي أصلا، من غير تفضيل، وتقديمه يقتضي تفضيل المنفي عنه، وهو خمر الجنة على غيرها من خمور الدنيا، أي ليس فيها ما في غيرها من الغول، وهذا مثل قولنا "لا عيب في الدار" وقولنا: " لا فيها عيب"، فالأول نفي للعيب عن الدار فقط والثاني تفضيل لها على غيرها أي ليس فيها ما في غيرها من العيب" (١).


(١) المثل السائر ٢/ ٤٤، وانظر الكشاف ١/ ٨٧ - ٨٨، البرهان ٢/ ٤١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>