٢ - القصر الحقيقي: تقول (زيد منطلق)، وتقول (زيد المنطلق) فما الفرق بين التعبيرين؟
إن التعبير الأول يفيد ثبوت الإنطلاق لزيد من دون نفيه عن غيره، وأما التعبير الثاني فإنه يفيد قصر الإنطلاق على زيد دون غيره، وهذا حين يظن ظان أن المنطلق هو غير زيد كأن يظن أنه خالد أو سعيد، فقد عرف أن ثمة انطلاقا ولكنه كان يظن أن المنطلق غير زيد فقدمت زيدًا وقصرت الإنطلاق عليه دون غيره. جاء في (دلائل الإعجاز): "ومن فروق الإثبات أنك تقول: زيد منطلق، وزيد المنطلق، والمنطلق زيد، فيكون في كل واحد من هذه الأحوال غرض خاص، وفائدة لا تكون في الباقي وأنا أفسر لك ذلك:
اعلم أنك إذا قلت:(زيد منطلق) كان كلامك مع من لم يعلم أن إنطلاقا كان لا من زيد، ولا من عمرو، فأنت تفيده ذلك ابتداء، وإذا قلت:(زيد المنطلق) كان كلامك مع من عرف أن إنطلاقا كان، إما من زيد، وأما من عمرو، فأنت تعلمه أنه كان زيد دون غيره. والنكتة أنك تثبت في الأول الذي اهو قولك (زيد منطلق) فعلا لم يعلم السامع من أصله أنه كان، وتثبت في الثاني الذي هو (زيد المنطلق) فعلا قد علم السامع أنه كان، ولكنه لم يعلمه لزيد، فأفدته ذلك فقد وافق الأول في المعنى الذي كان له الخبر خبرا، وهو إثبات المعنى للشيء وليس يقدح في ذلك أنك كنت قد علمت إن إنطلاقا كان من أحد الرجلين لأنك إذا لم تصل إلى القطع على أنه كان من زيد دون عمرو، كان حالك في الحاجة إلى من كان يثبته لزيد كحالك إذا لم تعلم أنه كان من أصله.
وتمام التحقيق إن هذا كلام يكون معك، إذا كنت قد بلغت أنه كان من إنسان إنطلاق من موضع كذا، في وقت كذا، لغرض كذا فجوزت أن يكون ذلك كان من زيد، فإذا قيل لك (زيد المنطلق) صار الذي كان معلوًا على جهة الجواز، معلومًا على جهة الوجوب. ثم إنهم إذا أرادوا تأكيد هذا الوجوب أدخلوا الضمير المسمى فصلا، بين الجزءين فقالوا: زيد هو المنطلق" (١).