فالجملة الفعلية هي الأصل لما بعدها، والجمل الثانية مبدوءة بمصادر حذف فعلها وجوبا لأنها نابت منابه وتؤدي معناه، والجمل الثالثة مصادر حذف مبتدؤها وجوبا، وهي لا تحتاج إلى المبتدأ لأنها في معنى الفعل، وكما حذف الفعل وجوبا في هذه المصادر حذف المبتدأ وجوبا في هذا الخبر، الذي هو يشبه الفعل، فإن لم يكن المصدر المخبر به نائبا مناب فعله لم يحذف مبتدؤه وجوبا تقول مثلا:(صبري صبر جميل) إذا قصدت الأخبار عن صبرك بأنه صبر جميل، لا بقصد النيابة عن الفعل كما تقول: تمرك تمر جيد وعملي عمل عظيم. فإذا كان القصد النيابة عن الفعل، أي إصبر أو لأصبر حذف مبتدؤه وجوبا. وتقول:(سمعك سمع شديد) كما تقول (دارك دار واسعة) فإذا أردت النيابة عن الفعل قلت: سمع يا سعيد بمعنى اسمع للدلالة على الثبوت، وسمعا يا سعيد للدلالة على التجدد.
قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:{فصبر جميل والله المستعان}[يوسف: ١٨]، أي فلأصبر صبرا جميلا، قالها بالرفع ولم يقل صبرا جميلا بالنصب، لأنه أراد الدلالة على الثبوت والدوام، أي صبر دائم ثابت لأصير موقوت، فقد أمر نبي الله نفسه بالصبر لثابت الدائم، الصبر الطويل الذي لا ينقطع، وهذا المعنى لا يكون في النصب، تقول: صبرا يا فلان على هذه المسألة إذا كانت موقوتة، فإذا أردت الصبر الطويل الدائم قلت: صبرٌ يا فلان.
جاء في كتاب سيويه:
" فقالت: حنان ما أتى بك ههنا ... أذو نسب أم أنت بالحي عارف
لم ترد تحنن ولكنها قالت: أمرنا حنان أو ما يصيبنا حنان، وفي هذا المعنى كله معنى النصب ..
ومثل ذلك قول الشاعر:
يشكو إلي جملي طول السرى ... صبرٌ جميل فكلانا مبتلى