للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي أراه في مثل هذا أنه من باب تنزيل المستقبل منزلة الماضي، لبيان أنه محقق الوقوع وأنه بمنزلة ما مضى وفرغ منه، وذلك نحو قوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من السماوات ومن في الأرض}، [الزمر: ٦٨]، وقوله: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} [الزمر: ٧٣]، وهذا في القرآن كثير، فإن القرآن كثيرا ما يخبر عن المستقبل بلفظ الماضي لبيان أن هذا المستقبل بمنزلة ما مضى فكما أن الذي وقع وحصل لا شك فيه، فهذا كذلك.

٧ - بمعنى صار: وجعلوا منه قوله تعالى: {وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا} [النبأ: ١٩ - ٢٠]، وقوله: {وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة} [الواقعة: ٥ - ٧] (١).

(جاء في شرح ابن يعيش): "والعرب تستعير هذه الأفعال فتوقع بعضها مكان بعض فأوقعوا (كان) هنا موقع (صار) لما بينهما من التقارب في المعنى لأن (كان) لما انقطع وانتقل من حال إلى حال، ألا تراك تقول: قد كنت غائبا وأنا الآن حاضر، فصار كذلك تفيد الانتقال من حال إلى حال، نحو قولك (صار زيد غنيا) أي أنتقل من حال إلى هذه الحال كما استعملوا (جاء) في معنى (صار) في قولهم: ما جاءت حاجتك؟ لأن (جاء) تفيد الحركة والانتقال كما كانت (صار) كذلك" (٢).

والذي أراه أنه ليست كان بمعنى صار، وإنما لها معنى أخر فإنك لو أبدلت (صار) بـ (كان) ما سدت مسدها، فإذا قلت بدل قوله تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت ورده كالدهاء} [الرحمن: ٣٧]، فصارت وردة، أو بدل قوله تعالى: {وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا} فصارت أبوابًا وسرابًا لم تجد المعنى كما كان ثم. فإن المقصود بصار هو التحول والصيرورة وقد يكون هذا التحول بعد مدة كأن تقول:


(١) الأشموني ١/ ٢٣٠، الهمع ١/ ١١٤، أسرار العربية ١٣٦ - ١٣٧، منثور الفوائد ١١١، الاتقان ١/ ١٦٨، البرهان ٤/ ١٢٧
(٢) ابن يعيش ٧/ ١٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>