وتقول (ما كان يلتقي به) و (كان لا يلتقي به) ففي العبارة الثانية هو يتجنب الالتقاء به مع إمكانه ذلك، وفي الأولى نفيت الإلتقاء به، وقد يكون ذلك لأنه لم يتهيأ له فرصة لقاء، فالعبارة الثانية أفادت أنه كان يتعمد عدم اللقاء بخلاف الأولى.
وتقول (ما كان يقرأ القرآن) وتقول (كان لا يقرأ القرآن) أي تعمد عدم قراءته، ففي الثانية من العمد والقصد على عدم الفعل ما ليس في الأولى، فقد يكون معنى الأولى أنه لم يكن يعرف قراءته وقد يحتمل غير ذلك، وأما في الثانية فقد أثبت أنه لا يريد قراءته.
وبهذا يتضح أن ثمة فرقًا بين قوله تعالى:{وما كنت ترجوا أن يلقي إليك الكتاب}[القصص: ٨٦]، وقوله:{إنهم كانوا لا يرجون حسابًا}[النبأ: ٢٧] وقوله: {بل كانوا لا يرجون نشورا}[الفرقان: ٤٠]، ففي الآية أولى أخبر الله عن حال رسوله قبل البعثة أنه لم يكن يفكر في الكتاب والوحي، بل لم يكن يعلم عنهما شيئا كقوله تعالى {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}[الشورى: ٥٢]، ولم يكن يأمل أن ينزل عليه كتاب بخلاف الثانية، فإن الكفار كانوا لا يرجون اليوم الآخر عن أصرار أي يتجنبون الإيمان به وينكرونه، فالأولى حال غفلة كما قال تعالى:{وإن كنت من قبله لمن الغافلين}[يوسف: ٣]، والثانية حال إصرار وعمد.
ثم أن التعبير بـ (كان لا يفعل) يفيد الدأب والعادة وذلك نحو ما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسل أنه (كان لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس) أي كان هذا دأبه وعادته. ونحوه ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية).
ولذا كان النفي بـ (كان لا يفعل) أطول زمنًا وأدوم وأعم من (ما كان يفعل) فإذا قال لك شخص (كنت تحفظ شعرًا عند ما جئتك) وأردت أن تنفي قوله قلت (ما كنت أحفظ شعرًا عندما جئتني) أو (لم أكن أحفظ شعرًا عندما ما جئتني) ولا تقول: (كنت لا أحفظ شعرًا عندما جئتني) لأن (لا يفعل) يفيد الدأب والعادة والاستمرار، ولكن يصح أن تقول (كنت لا أحفظ شعرًا عندما تأتيني) أي كان هذا دأبي وعادتي.
وإذا قيل لك كان يسبح حينما ناديته قلت ما كان يسبح حينما ناديته أو لم يكن يسبح ولا تقول: كان لا يسبح حينما ناديته.