للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا قيل لك: (كان يقرأ حينما جئته) قلت: (ما كان يقرأ حينما جئته) ولا تقول (كان لا يقرأ حينما جئته) فدل على أن (كان لا يفعل) أعم من (ما كان يفعل) وأدوم. قال تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: ١٠١]، وقال: {ما كانوا يستطيعون السمع} [هود: ٢٠].

قيل ومعنى الآية الأولى أنهم "كانوا صمًا عنه إلا أنه أبلغ لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صح به هؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا إستطاعة بهم للسمع (١) " وهو نفي لسماعهم على أتم وجه (٢).

وأما معنى آية هود فإنهم كانوا يستثقلون سماع الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويستكرهونه إلى أقصى الغايات وهو نظير قول القائل: هذا الكلام لا أستطيع سمعه وهذا مما يمجه سمعي (٣).

فالصنف الثاني يسمع إلا أنه يكره أن يسمع هذا القول بخلاف الصنف الأول فإنه أصم لا يسمع.

فعبر عن الصنف الأول بـ (كان لا يفعل) وهو يفيد عدم السماع على وجه الدوام والاستمرار، وعن الصنف الثاني بـ (ما كان يفعل).

وهذا لايختص بكان وحدها بل قد يكون في غيرها أيضًا، وذلك نحو قول الربيع بن ضبع الفزاري:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أحمل رأس البعير أن نفرا

أي أصبح هذا شأنه وأمره، بمعنى أصبح ضعيفا لا يقوى على حمل السلاح، ولو قال (ما أصبحت أحمل السلاح) لاحتمل أن يكون ذاك من باب التوقيت، أي لم يصبح يحمل السلاح هذا اليوم وربما حمله في وقت آخر، فاتضح ما قلناه.


(١) الكشاف ٢/ ٢٧٢، وانظر البحر المحيط ٦/ ١٦٥، التفسير الكبير ٢١/ ١٧٣
(٢) روح المعاني ١٦/ ٤٥
(٣) انظر الكشاف ٢/ ٩٤، روح المعاني ١٢/ ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>