فثمة فرق بين قولنا (مازلت تطلع) وقولنا (لا تزال تطلع) فمعنى الأول: بقيت تطلع، ومعنى الثاني أنك ستستمر في الإطلاع في المستقبل. قال تعالى:{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}[البقرة: ٢١٧]، أي يبقون على ذلك مستمرين إلى أن يبلغوا قصدهم أن أمكن. ونحو ذلك قوله تعالى:{ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك}[هود: ١١٨ - ١١٩].
ولا يفهم من قولنا إن (ما زال) بمعنى (بقي) و (لا يزال) بمعنى (يبقى) أنهما متطابقان في المعنى، فإنه لا يصح أبدال أحداهما بالآخر على وجه الدوام، وذلك أن (مازال) تفيد توقع التحول والإنقطاع بخلاف) بقي (فقولك (لا تزال صغيرًا) لا يطابق (تبقى صغيرًا) فإن في الجملة الأولى مظنة التحول بخلاف الثانية. وكذلك قولك (ما تزال طالبا تعتمد على أبيك) لا يطابق قولك (تبقى طالبا تعتمد على أبيك)، وكذلك في الماضي فقولك (ما زالت صغيرا) لا يطابق قولك (بقيت صغيرا) فإن الجملة الأولى تعني أنك في سن الصغر وإنك ستفارق هذه السن، وأما الجملة الثانية فتفيد أنك باق على الصغر على الرغ من كبر سنك.
وأما برح فأصله ترك المكان وغادره، قال تعالى {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي}[يوسف: ٨٠] أي لن أترك الأرض، ومنه البارحة لليلة الخالية، ومنه برح الخفاء أي ذهب.
فبرح معناه ترك المكان وما برح معناه لم يترك المكان أي بقي فيه ولازمه، ثم نقل إلى الدوام والاستمرار في غيره.
قال ابن يعيش: "وأما برح فهو بمعنى زال وجاوز ومنه قليل لليلة الخالية البارحة .. فقالوا ما برح يفعل بمعنى زال. وقد فرق بعضهم بين ما زال وما برح فقال: برح لا يستعمل في الكلام إلا ويراد به البراح من المكان فلابد من ذكر المكان معه أو تقديره، وذلك ضعيف لأنه قد جاء في غير المكان قال الله تعالى، {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين}[الكهف: ٦٠]، فلا أبرح هذه لا يجوز أن يراد بها البراح من المكان