للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يعترض معترض على هذا الاستدلال بالقول أنه ربما دل وجود الباء الزائدة في خبر (ما) أكثر من (ليس) وغير ذلك مما ذكرته على ضعف (ما في التوكيد فاحتيج إلى توكيدها بما ذكرت بخلاف ليس).

وهذا الاعتراض مردود فهو شبيه بقول من يقول إن القسم ضعيف، فاحتيج إلى تقوية جوابه بإن واللام، وأن الجملة المصدرة بإن ضعيفة بدليل أنها تقع جوابًا للقسم فقولنا (محمد حاضر) آكد من (أن محمدًا لحاضر) بدليل إن الجملة الأخيرة تقع جوابًا للقسم خلافا للأولى، أو يقول أن (إن) ضعيفة في التوكيد بدليل وقوع اللام في خبرها، أو يقول إن (نون التوكيد) ضعيفة ولذا تقع في جواب القسم، أو يقول إن (ما) الزائدة لا تفيد التوكيد بدليل اقترانها بنون التوكيد في الكلام كثيرًا، ومن المعلوم أن (ما) الزائدة بعد إن الشرطية يكثر توكيد شرطها بالنون وقد جاءت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة كذلك كقوله تعالى: {وإما تعرضن عنهم} [الإسراء: ٢٨]، وقوله: {وإما ينسينك الشيطان} [الأنعام: ٦٨]، و {وإما تخافن من قوم خيانة} [الأنفال: ٥٨] و {فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال: ٥٧]، و {فإما ترين من البشر أحدًا} [مريم: ٢٦]، ومع غير الشرط أيضا كقوله تعالى: {عما قليل ليصبحن نادمين} [المؤمنون: ٤٠].

فالمعترض إما أن يسلب نون التوكيد توكيدها، وأما أن يسلب (ما) توكيدها، و (ما) هذه مؤكدة كما ذكر سيبويه (٢/ ١٥٢، ٢/ ٣٠٥)، و (أن) مؤكدة كما ذكر سيبويه. قال سيبويه: "فإن إن حرف توكيد فلها لام كلام اليمين" (١).

فإن حرف التوكيد قد يؤتى معه بمؤكد آخر لتقويته، وزيادة توكيده، كما ذكر سيبويه في (أن) وليس الأمر معكوسًا كما يظن ظان.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من


(١) سيبويه ٢/ ٤٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>