وجاء في (الأشموني): "وإذا قال (لم يكد يبكي) فمعناه لم يقارب البكاء فمقاربة البكاء منتفية ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة .. وكذا قوله تعالى:{إذ أخرج يده لم يكد يراها} هو أبلغ في نفي الرؤية بخلاف من لم يقارب. وأما قوله تعالى:{فذبحوها وما كادوا يفعلون} فكلام تضمن كلامين كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر، والتقدير فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له"(١).
وجاء في (دلائل الإعجاز): "وروى عن عنبسة أنه قال قدم ذو الرمة الكوفة فوقف يشد الناس بالكناسة قصيدته الحائية التي منها:
هي البرء والأسقام والهم والمنى ... وموت الهوى في القلب مني المبرح
وكان الهوى بالنأي يمحي فيمحي ... وحبك عندي يستجد ويربح
إذا غير النأي المحبيبن لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
قال: فلما انتهى إلى هذا البيت ناداه ابن شبرمة: يا غيلان أراه قدبرح: قال فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويتفكر ثم قال:
إذا غير النأي المحبين لم أجد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
قال: فلما انصرفت حدثت أبي قال: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة، وأخطأ ذو الرمة حين غير شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا كقول الله تعالى:{ظلمت بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها}.
واعلم أن سبب الشبهة في ذلك أنه قد جرى العرف أن يقال: ما كاد يفعل، ولم يكد يفعل، في فعل قد فعل، على معنى أنه لم يفعل إلا بعد الجهد، وبعد أن كان بعيدًا في الظن أن يفعله كقوله تعالى {فذبحوها وما كادوا يفعلون} فلما كان مجيء النفي في (كاد)