على هذا السبيل توهم ابن شبرمة أنه إذا قال: لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح فقد زعم أن الهوى قد برح، ووقعه لذي الرمة مثل هذا الظن. وليس الأمر كما ظناه، فإن الذي يقتضيه اللفظ لم يكن من أصله، ولا قارب أن يكون، ولا ظن أنه يكون، وكيف بالشك في ذلك وقد علمنا أن (كاد) موضوع لأن يدل على شدة قرب الفعل من الوقوع، وعلى أنه قد شارف الوجود وإذا كان كذلك، كان محالا أن يوجب نفيه وجود الفعل، لأنه يؤدي إلى أن يوجب نفي مقاربة الفعل الوجود وجوده وأن يكون قولك: ما قارب أن مقتضيا على البت وأنه قد فعل. (١)".
وقال ابن يعيش في قوله تعالى {إذا أخرج يده لم يكد يراها}: " قد اضطربت آراء الجماعة في هذه الآية، فمنهم من نظر إلى المعنى، وأعرض عن اللفظ، وذلك أنه حمل الكلام على نفي المقاربة، لأن كاد معناها قارب، فصار التقدير لم يقارب رؤيتها، وهو اختيار الزمخشري، والذي شجعهم على لك ما تضمنته الآية من المبالة، بقوله:{ظلمات بعضها فوق بعض} ..
والذي أراه أن المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويأس من رؤيتها، والذي يدل على ذلك قول تأبط شرًا:
فأبت إلى فهم وما كدت آئبا
والمراد ما كدت أؤوب كما يقال: سلمت وما كدت أسلم، ألا ترى أن المعنى أنه آب إلى فهم، وهي قبيلة، ثم أخبر أن ذلك بعد أن كاد لا يؤوب، وعلة ذلك أن (كاد) دخلت لإفادة معنى المقاربة في الخبر، كما دخلت (كان) لإفادة الزمان في الخبر، فإذا دخل النفي على كاد قبلها، كان، أو بعدها لم يكن، إلا لنفي الخبر كأنك قلت: إذا أخرج يده يكاد لا يراها فكاد هذه إذا استعملت بلفظ الإيجاب كان الفعل غير واقع، وإذا اقترن بها حرف النفي كان الفعل الذي بعدها قد وقع".