للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا مقتضى اللفظ فيها، وعليه المعنى والقاطع في هذا قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} وقد فعلوا الذبح بلا ريب" (١).

والذي يبدو لي، أن الرأي الذي ذكره ابن يعيش أرجح بدلالة قوله تعالى: {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف: ٥٢]، وهذا الكلام على لسان فرعون في موسى عليه السلام ولا شك أن موسي كان يبين بدلالة المحاجات المتعددة التي يذكرها القرآن مع فرعون، ولو ذهبنا إلى الرأي الأول لكان عليه السلام أبكم لا يبين ولا يقارب الإبانة. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بينا وبينهم سدا، ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} [الكهف: ٩٣ - ٩٥]، وهذه المحاورة تدل على أنهم يفقهون ولكن بصعوبة (٢) وليس معنى الآية (لا يكادون يفقهون قولا) أنهم لا يفقهون ولا يقاربون الفقه، وإلا فما هذا الكلام والمحاورة بينهما؟

ويدل على ذلك قوله تعالى: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} فإنهم فعلوا الذبح.

ويمكن الجمع بين الرأيين بالقول إن الأصل ما ذكرناه، ويمكن أن يراد المعنى الأول بالقرائن وذلك كقوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} وقوله (ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فإن هاتين الآيتين يمكن حملهما على الوجه الأول، كما يمكن حملهما على الوجه الذي رجحناه.

وليست دلالة الجملة الواحدة على معنيين متغايرين أمرًا غريبا في اللغة فقد ذكر البيانيون أن كلمة (كل) مثلا: "إذا وقعت في حيز النفي موجهاً إلى الشمول خاصة وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد كقولك (ما جاء كل القوم ولم آخذ كل الدرهم) أي جاء بعض القوم وأخذت بعض الدراهم.


(١) ابن يعيش ٧/ ١٢٤ - ١٢٥
(٢) انظر رسالة ابن كمال باشا في تحقيق معنى (كاد).

<<  <  ج: ص:  >  >>