للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كقوله تعالى: {ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض} [الكهف: ٨٣ - ٨٤]، .. وكقوله تعالى: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} [الشعراء: ٢١٦]، .. وقوله: {وقل إني أنا النذير المبين} [الحجر: ٨٩]، وأشباه ذلك مما يعلم به أنه كلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجيب به الكفار في بعض ما جادلوا وناظروا فيه ..

ثم إن الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه البناء هو الذي دوّن في الكتب من أنها للتأكيد. وإذا كان قد ثبت ذلك فإذا كان الخبر بأمر ليس للمخاطب ظن في خلافه البتة ولا يكون قد عقد في نفسه إن الذي تزعم أنه كائن غير كائن، وأن الذي تزعم أنه لم يكن كائن فأنت لا تحتاج إلى (إن) وإنما تحتاج إليها إذا كان له ظن في الخلاف، وعقد قلب على نفي ما تثبت، أو إثبات ما تنفي، ولذلك تراها تزداد حسنا إذا كان الخبر بأمر يبعد مثله في الظن، وبشيء قد جرت عادة الناس بخلافه كقول أبي نواس:

عليك باليأس من الناس ... أن غنى نفسك في اليأس

ومن لطيف مواقعها أن يدعى على المخاطب ظن لم يظنه ولكن يراد التهكم به وإن يقال: أن حالك والذي صنعته يقتضي أن تكون قد ظننت ذلك ومثال ذلك قول الأول:

جاء شقيق عارضًا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

يقول: إن مجيئه هكذا مدلا بنفسه وبشجاعته، قد وضع رمحه عرضًا، دليل على إعجاب شديد وعلى اعتقاد منه أنه لا يقوم له أحد حتى كأن ليس مع أحد منا رمح يدفعه وكأنا كلنا عزل. وإذا كان كذلك، وجب إذا قيل أنها جواب سائل أن يشترط فيه، أن يكون للسائل ظن في المسؤول عنه، على خلاف ما أنت تجيبه به فأما أن يجعل مجرد الجواب أصلا فيه فلا" (١).


(١) دلائل الإعجاز ٢٤٩ - ٢٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>