للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال على لسان يوسف عليه السلام لإخوته: {ألا ترون أني أوف الكيل وأنا خير المنزلين} [يوسف: ٥٩]، فقال أولا (أني أوفي الكيل) على التوكيد بأن ثم قال (وأنا خير المنزلين) على غير سبيل التوكيد، وذلك الله أعلم أنه في الحكم الأول متأكد من أنه يوفي الكيل، تأكدا لا شك فيه لأن هذا أمر يستطيع الجزم به بخلاف ما بعده (وأنا خير المنزلين) فإن هذا الحكم ليس بمنزلة الأول في التحقيق والتيقن، فجاء به غير مؤكد فخالف بين التعبيرين لاختلاف الحكين.

ومما يدل على أنها للتوكيد، أن القرآن الكري، إذا قرن الظن بها أفاد اليقين - كما يقول النحاة - فحيث اقترنت به في القرآن الكريم أفاد الظن معنى العلم واليقين، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} [البقرة: ٤٥ - ٤٦]، وقال: {قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}. [البقرة: ٢٤٩].

وقال: {إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية} [الحاقة: ٢٠ - ٢١]، فإن الظن قد يلحق بالعلم واليقين، وقد يكون للرجحان فقط كقوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} [البقرة: ٢٣٠]، فلم يأت بأن ههنا لأنه ليس المقصود بالظن ههنا اليقين، بل الرجحان فقط فهو ليس بمنزلة ما مر من الآيات.

فدل ذلك على ما ذكرناه.

وقد تأتي (أن) بمعنى (لعل) بل هي لغة في (لعل) كما يذكر النحاة (١).

قال سيبويه في قوله تعالى: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} [الأنعام: ١٠٩]. "وأهل المدينة يقولون أنها فقال الخليل هي بمنزلة قول العرب (ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا) أي لعلك" (٢).


(١) التسهيل ٦٦، المغنى ١/ ٤٠، الهمع ١/ ١٣٤، الاتقان ١/ ١٥٦
(٢) سيبويه ١/ ٤٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>