للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما إذا تقدم الفعل فيجب الأعمال ويمتنع الالغاء عند البصريين (١).

إن قول النحاة أنه يجوز الغاء الفعل إذا توسط أو تأخر، قد يفهم منه أنه يسوغ ذلك متى شاء المتكلم، دون نظر إلى المعنى. والحق أن معنى الإلغاء غير معنى الأعمال، والمتكلم مقيد بالمعنى، فليس له أن يعمل أو يلغي من دون نظر إلى القصد والمعنى.

إن معنى الأعمال أن الكلام مبني على الظن، تقدم الفعل أو تأخر، ومعنى الالغاء أن الكلام مبني على اليقين، ثم أدركك الشك فيما بعد، فقولك (محمدا قائما ظننت) مبني على الشك ابتداء، وقولك (محمد قائم ظننت) مبني على اليقين فإن بنيت كلامك على الظن، نصبت، تقدم الفعل أو تأخر، وإن بنيته على اليقين، رفعت. جاء في (الكتاب): "فإن الغيت قلت: عبد الله اظن ذاهب وهذا - إخاك - أخوك. وفيها - أرى - أبوك. وكلما اردت الالغاء فالتأخير أقوى وكل عربي جيد .. وإنما كان التأخير اقوى لأنه إنما يجيء بالشك بعدما يمضي كلامه على اليقين، أو بعدما يبتديء، وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك كما تقول: عبد الله صاحب ذلك بلغني، وكما قال: من يقول ذلك تدري. فأخر مالم يعمل في أول كلامه، وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعدما مضى كلامه على اليقين وفيما يدري.

فإذا ابتدأ كلامه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل، قدم أو آخر، كما قال: زيدا رأيت ورأيت زيدا. وكلما طال الكلام ضعف التأخير أذا أعملت. وذلك قولك (زيدا أخاك أظن) فهذا ضعيف، كما يضعف: زيدا قائما ضربت" (٢).

وجاء في (الهمع): "فإن بدأت لتخبر بالشك أعملت على كل حال، وإن بدأت وأنت تريد اليقين ثم أدركك الشك، رفعت بكل حال" (٣).


(١) ابن عقيل ١/ ١٥٢، ابن يعيش ٧/ ٨٥، المقتضب ٢/ ١١
(٢) سيبويه ١/ ٦١
(٣) الهمع ١/ ١٥٣، وانظر أسرار العربية ١٦٠ - ١٦١، المقتضب ٢/ ١١

<<  <  ج: ص:  >  >>