ألا ترى كيف أن المناسب هنا تقديم الفاعل المريد، الذي لا يرد حكمه، ولا يقوم لأمره شيء؟
وقد أوضح عبد القاهر شيئا من هذا فقال: " واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم بشأنه أعني، وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ولم يذكر في ذلك مثالا.
وقال النحويون: أن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما، أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى، إنهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء. فإذا قتل وأراد مريد الاخبار بذلك فإنه يقدم ذكر الخارجي، فيقول (قتل الخارجي زيد) ولا يقول (قتل زيد الخارجي) لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له (زيد) جدوى وفائدة، فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم، ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه، متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وأنهم قد كفوا وتخلصوا منه.
ثم قالوا فإن كان رجل ليس له بأس، ولا يقدر فيه أن يقتل فقتل رجلا وأراد المخبر أن يخبر بذلك فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول: قتل زيد رجلا. ذلك لأن الذي يعينه، ويعني الناس من شأن هذا القتل طرافته، وموضع الندرة فيه، وبعده كان من الظن. ومعلوم انه لم يكن نادرا وبعيدا من حيث كان واقعا بالذي وقع به، ولكن من حيث الذي كان واقعا من الذي وقع منه (١).