والحمل على المعنى مدار كثير من أحوال التذكير والتأنيث في القرآن الكريم، ولقد يكون، لغرض آخر، كتنزيل المذكر منزلة المؤنث وبالعكس، أو لغير ذلك من الأغراض
ومما ورد في القرآن الكريم من هذا الباب تذكير وتأنيث (الشفاعة) فقد ورد معها الفعل مؤنثا حيثما وردت إلا في موطن واحد. قال تعالى:{ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة}[البقرة: ١٢٣]، وقال:{فما تنفعهم شفاعة الشافعين}[المدثر: ٤٨]، وقال {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن}[طه: ١٠٩]، وقال:{ولا تنفع الشفاعة عنده}[سبأ: ٢٣]، وقال:{إن يردن الرحمن بض لا تغني عني شفاعتهم شيئا}[يس: ٢٣].
وقال:{وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا}[النجم: ٢٦].
أما الموطن الذي ورد بتذكيرها فهو قوله تعالى:{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون}[البقرة: ٤٨]، وسبب ذلك، والله أعلم أن الآيات التي وردت بتأنيث الشفاعة هي بمعناها لمؤنث، أما الآية التي وردت بتذكيرها فمعنى الشفاعة فيها هو (الشفيع) أو على معنى (ولا يقبل منها طلب شفاعة) ويدلك قوله تعالى ههنا (ولا يقبل منها)، بخلاف الآيات الآخرى التي فيها (لا تنفع)، و (لا تغني)، مما يدل على الشفاعة في الآيات السابقة بمعناها دون الأخرى، لأن الكافرين لا يشفعون لأنفسهم وإنما يطلبون الشفاعة من غيرهم لهم، أي يطلبون شفيعا يشفع لهم عند ربهم.
ومعلوم أن الشفيع يشفع لغيره لا لنفسه (١).
فمعني الشفاعة هنا إذن (الشفيع) أو (ذو الشفاعة) أو طلب الشفاعة، بخلاف ما ورد في الآيات الأخرى ولذلك ذكرها.
(١) انظر لسان العرب (شفع) ١٠/ ٥٠، تاج العروس (شفع) ٥/ ٤٠٠