ومن ذلك ما جاء فيه تذكير وتأنيث الموعظة. فقد استعملت فاعلة في موطنين مرة مذكرا مرة مؤنثا قال تعالى:{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}[البقرة: ٢٧٥].
فاستعملها مذكرة وذلك لأنها بمعنى (النهي) ألا ترى إلى قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} أي جاءه نهي فانتهى، وإلا فالموعظة ليست نهيا، فقط، بل هي أوامر ونواه فالموعظة هنا معناها النهي عن الربا ولذلك ذكرها.
وقال:{هو يحي ويميت وإليه ترجعون. يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}{يونس: ٥٦ - ٥٧}.
فاستعمالها مؤنثة لأنها بمعناها، وليس بمعنى مذكر.
ومن ذلك ما جاء فيه من تذكير وتأنيث (الضلالة) فقد استعملها فاعلة في موطنين مرة مذكرة، ومرة مؤنثة، قال تعالى:{كما بدأكم تعودون. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}[الأعراف: ٢٩ - ٣٠].
وقال:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدي الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}[النحل: ٣٦].
ذكر الضلالة في آية الأعراف، لأنها بمعنى العذاب، لأن الكلام في الآخرة فإن المعنى: تعودون كما بدأكم أي يعيدكم كما أنشأكم فريقين، فريقا هداه الله وفريقا حق عليه العذاب، كما قال تعالى في موطن آخر {وكثير حق عليه العذاب}[الحج: ١٨]، لأن الآخرة ليست مقام ضلال، فإن الأمر انتهي وانكشف والغطاء، واتضح ما كان مستورا خفيا، وبان ما كان يذكره رسل الله، وكأن المعنى (وفريقا حق عليه مؤدى الضلالة) ومؤدى الضلالة العذاب.