يغير ما أراد الله، فإذا أضله الله فمن يستطيع هدايته غيره سبحانه؟ بخلاف ما لو قبل (من اضل).
وهناك خط واضح وظاهرة بينة في التعبير القرآني، وهي أن الله سبحانه يذكر نفسه تنزيها لها عن فعل الشر وإرادة السوء، فإنه مثلا عندما يذكر النعم ينسبها إليه، ولم يبن فعل النعمة للمجهول، لأن النعمة خير وتفضل منه، قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}[المائدة: ٣]، وقال:{قد أنعم الله علي}[النساء: ٧٢]، وقال:{فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}[النساء: ٦٩]، وقال:{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونا بجانبه، وإذا مسه الشر كان يؤوسا}[الإسراء: ٨٣]، ففي النعمة أظهر نفسه فقال (أنعمنا) وفي الشر قال (مسه الشر) ولم يقل (مسسناه بالشر) وقال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}[الفاتحة: ٧]، وقال:{إن هو إلا عبد أنعمنا عليه}[الزخرف: ٥٩]، وقال:{الذي خلقني فهو يهدين، والذين هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين}[الشعراء: ٧٨ - ٨٠].
فأنت ترى أن نسب الخير إلى ربه فقال:{والذي هو يطعمني ويسقين} ونسب السوء إلى نفسه، فقال:{وإذا مرضت فهو يشفين} ولم يقل وإذا أمرضني فنسب المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله تعالى.
وقال:{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}[الجن: ١٠]، فبني الشر للمجهول (أشر أريد) ونسب الخير والرشد إلى الرب سبحانه (أريد بهم ربهم رشدا).
ومن ذلك ما جاء في القرآن الكريم في قصة موسى والرجل الصالح.
قال {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغها أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن امري}[الكهف: ٧٩ - ٨٢].