فأنت ترى أن الله سبحانه يذكر ذاته في خير العام، وينسبه إلى نفسه بخلاف الشر. والسوء، قال ابن القيم:" إن افعال الإحسان والرحمة، والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، / فيذكر فاعلها منسوبه إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معها للمفعول، أدبا في الخطاب، وإضافته إلى الله أشرف قسمى أفعاله، فمنه هذه الآية يعني:{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} فإنه ذكر النعمة فأضافها إليه، ولم يحذف فاعلها .. ومنه قوله تعالى:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم}[البقرة: ١٨٧].
فحذف الفاعل وبناه للمفعول وقال:{وأحل الله البيع وحرم الربوا}[البقرة: ٢٧٥].
لأن في ذكر الرفث ما يحسن منه، ألا يقترن بالتصريح بالفاعل (١)
وكلام ابن القيم فيه صحة كثيرة غير أن قوله "فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف الفاعل وبني الفعل معا للمفعول"، فيه نظر، فليس هذا الكلام على إطلاقه، بل أسند الله مثل هذا الأمر إلى نفسه في مواطن عديدة، وذلك نحو قوله تعالى:{فدمرناها تدميرا}[الإسراء: ١٦]، وقوله:{فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير، فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة}، [الحج: ٤٤ - ٤٥]، وقوله:{وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما}. [الفرقان: ٣٧].
فإن إهلاك المفسدين وتدمير الظالمين والبطش بهم من الخير العام.
وليس من الخير المطلق أن يترك الفسد يعيث في الأرض، يسفك الدماء بل البطش به وعقوبته وإزالته واستئصاله من أكبر الخير، ولذلك قد يظهر الله فيه نفسه، وذلك نحو ما مر ونحو قوله:{دمر الله عليكم وللكافرين أمثالها}[محمد: ١٠]، وقوله:{فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}[هود: ٧٢ - ٨٣].