للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في (دلائل الإعجاز): " ويجيء لك هذا الفرق على وجه في تقديم المفعول وتأخيره، فإذا قلت: ما ضربت زيدا فقدمت الفعل، كان المعنى انك قد نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك على زيد، ولم تعرض في أمر غيره لنفي ولا إثبات وتركته مبهما محتملا.

وإذا قلت: ما زيدا ضربت فقدمت المفعول كان المعنى على أن ضربا وقع منك على إنسان، وظن أن ذلك الإنسان زيد فنفيت أن يكون معناه إياه.

فلك أن تقول في الوجه الأول: (ما ضربت زيدا ولا أحدا من الناس)، وليس لك في الوجه الثاني، فلو قلت، ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس كان فاسدا.

ومما ينبغي أن تعمله أنه يصح لك أن تقول: (ما ضربت زيدا ولكنه أكرمته) فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو وضده، ولا يصح أن تقول: ما زيدا ضربت ولكن أكرمته، وذاك أنك لم ترد أن تقول: لم يكن الفعل هذا، ولكن ذاك، ولكنك أردت أنه لم يكن المفعول هذا، ولكن ذاك، فالواجب إذن أن تقول ما زيدا ضربت ولكن عمرا (١).

جاء في (الهمع) أنه: " إذا قدم المفعول أفاد الاختصاص عند الجمهور، نحو {إياك نعبد وإياك نستعين} أي لا غيرك (بل الله فاعبد) [الزمر: ٦٦]، أي لا غيره. وخالف في ذلك ابن الحاجب، ووافقه أبو حيان فقالا: الاختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقدم المفعول وهم (٢).

والحق أن تقديم المفعول قد يفيد الاختصاص، والحصر. بل هو غالب كما ذكرنا، وذلك كقوله تعالى: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: ١٧٢]، وكقوله تعالى: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} [الزمر: ٦٦]، لكن ليس معنى ذلك أن التقديم لا يفيد إلا الاختصاص، فقد يتقدم المفعول لغير الاختصاص، جاء في (البرهان):


(١) دلائل الإعجاز ٩٨، وانظر نهاية الإيجاز للرازي ١٢١، والإيضاح ١/ ١١٠ - ١١١
(٢) الهمع ١/ ١٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>